صفحات الثقافة

سوريا بعيني حمد عبود: موت يصنع كعكة العيد/ حذيفة فتحي

 

 

“أعرفُ صديقاً من القرية، سَرَقَ دبّابة وأخذها إلى النهر. تعرّت الدبّابة وتوضّأت من الفرات وأسقطت الجسر المعلّق. قيلَ في الموضوع خلافُ وجهات نظر، الجسر كان يرى الدبّابة حالة انتصابٍ فاضحة من فوق، الدبّابة كانت ترى الجسر رصيفاً طائراً. من فتحة الباب المستطيلة الضيّقة، كان الموضوع مُستفِزّاً ألّا تُرى حِبال الحديد؟ الدبّابة سحبت مسدّسها أولاً”.

بخياله الذي يصف فيه يوميات الحرب السورية، يحاول الشاعر والكاتب السوري حمد عبود، رسم صورةٍ مُتحرّكةٍ، يكسِر من خلالها النمط التقليدي لعبثية الموت والدمار المستمرّين منذ ست سنوات. صورةٌ، تروي انهيار الجسر المعلّق، المعلم الشهير في مدينة دير الزور شرق البلاد، الذي وقع في قاع الفرات، في الثاني من أيار/مايو 2013.

النصّ الذي يحمل عنوان “أريدُ أن أقود دبّابة”، كتبه عبود في تموز/يوليو 2014، وهو ضمن 16 نصّاً يجمعها كتابٌ بعنوان “الموت يصنع كعكة عيد الميلاد”، صَدَرَ مؤخراً عن دار النشر السويسري “Pudelundpinscher”، وأُعلن رسمياً في 29 أيار/مايو الماضي، عن وصول الكتاب إلى القائمة القصيرة للنسخة التاسعة من الجائزة العالمية للأدب المُترجَم، التي تُمنَح سنوياً لأفضل نصٍّ مُترجم إلى اللغة الألمانية من 29 لغة حول العالم.

تتألف القائمة القصيرة للجائزة هذا العام، من ستة كتبٍ تُرجمت إلى الألمانية خلال العامين الماضيين، عن دور النشر في دول ألمانيا والنمسا وسويسرا. والكُتّاب المُرشّحين هم: ألبرتو باريرا تيسزكا من فنزويلا، وأماندا لي كوي من سنغافورة، وزيموفيت شتشريك من بولندا، وفيستون موانزا موجيلا من الكونغو، وهان كانغ من كوريا الجنوبية، إضافةً إلى حمد عبود، الذي يُعدّ كتابه الأصغر من حيث الحجم بين باقي الكتب، إذ يحتوي على 50 صفحة بالعربية، و64 صفحة بالألمانية.

حمد عبود، الذي وُلد في دير الزور العام 1987، ودرسَ هندسة الاتصالات في جامعة حلب، يقول لـ “المدن” عن اختيار عنوان كتابه: “في الوقت الذي خسرتُ فيه الكثير خلال السنوات الأخيرة، أخذتُ أفكّر بأنّ الموت، في الجهة المقابلة، ربح الكثير من السوريين إلى جانبه. كنتُ أعرف تماماً بأنّ رفقة السوريين جميلة جداً، وكنت أعلم بأنّ الموت يحتفل بالقادمين الجدد إليه كلّ يوم، ويصنع كعكة عيد الميلاد ترحيباً بهم”.

وكغيره من السوريين الذين لفظتهم حرب بلادهم خارج حدودها، لم تكن رحلة عبود في البحث عن الحياة والهدوء النسبي بالشيء اليسير، فغادر إلى مصر في آب/أغسطس 2012، وبعد عام، رحل إلى مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة، التي رُحّل منها إلى تركيا، ليتابع بعد ذلك موسم الهجرة إلى الشمال سيراً على الأقدام، مروراً باليونان ومقدونيا وصربيا وهنغاريا، ويستقرّ به الأمر أخيراً في النمسا أواخر العام 2014.

في العام 2015، تحصّل عبود على منحة “جان جاك روسو للكتابة الإبداعية”، مُقدّمة من أكاديمية “شلوس سوليتود”- شتوتغارت، ليُقدّم بعدها 32 قراءة شعرية خلال فعاليات ثقافية مختلفة في سويسرا. ومن خلال هذه القراءات، نالَ عبود منحةً لدعم الترجمة عن مؤسسة “Lit prom”، وتُرجمت نصوصه من قبل المُترجمة الألمانية لاريسا بندر، ليُولَد بذلك كتاب “الموت يصنع كعكة عيد الميلاد”، وهو المجموعة الشعرية الثانية لعبود بعد مجموعته الأولى “مطر الغيمة الأولى” الصّادرة عام 2012 عن دار “أرواد”.

يوضح عبود أنّ اللغة الطابعة على الكتاب، هي لغة سوداوية تسخر من الموت في سبيل ايجاد طُرق للنجاة، فيقول في نصٍّ بعنوان “الموت ينفرد بنا كما انفرد مارادونا بالمرمى سنة 1986”: “البلد أصبح أُنثويّاً أو قاب قوسين. الرجال ماتوا على عتبة البيت ينتظرون خبراً عن الذي خرج ولم يعد، أما الشباب فقد ماتوا وهم يحاولون القفز من فوق سور حربٍ ليشتروا قرصي فلافل وكازوزة. الأطفال ماتوا أيضا لأنّ الخوف لا يناسب الأطفال أصلاً، قرأتُ ذلك في كتاب عن التربية الحديثة. الحرب لم تكن موجودة في ذلك الكتاب… حتماً”.

وينقسم الكتاب، بحسب عبود، إلى 3 أقسام أو محاور؛ هي الحياة قبل الحرب كأرشيف سوري أدبي، وتجربة اللجوء والتنقّل بين عدد من الدول والتعرّف من خلالها إلى مجتمعات ولغات مختلفة، والحياة في النمسا كلاجئ مُعترف به. وممّا لا شكّ فيه أنّ اختلاف التجارب التي مرّ بها الكاتب خلال السنوات الخمس الماضية، ألقى بظلاله على تحوّل اللغة المستخدمة بين “مطر الغيمة الأولى” وبين “الموت يصنع كعكة عيد الميلاد”، فالتغيير بات ملموساً من اللغة الشعرية الفلسفية ذات البعد الواحد، إلى أخرى سردية ثلاثية الأبعاد، تطرح أسئلةً وإجابات في الوقت ذاته، في محاولة لتفكيك الحرب المستمرة حتى الآن.

وتأتي أهمية بلوغ حمد عبود القائمة القصيرة من الجائزة العالمية للأدب المُترجَم، كونه يُعدّ ثالث كاتب عربي يدخل هذه المنافسة، بعد الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا في العام 2010، واللبناني الياس خوري في العام 2011 عن روايته “يالو”.

وسيعلن عن الفائز في الجائزة (ثنائي الكاتب والمترجم)، في العشرين من حزيران/يونيو الجاري، ويتبعها حفل التتويج في “بيت ثقافات العالم” في برلين، في السادس من تموز/يوليو القادم. عبود وصف الترشّح للجائزة بأنه شرفٌ له ككاتب سوري حاول ايصال تجربة الحرب إلى العالم، إلى جانب الاعتراف باللغة الشعرية السردية التي تطوّرت خلال سنوات اللجوء.

اكتشف حمد عبود الشّعر في دير الزور، المدينة التي “حاولتُ برغم المسافات والدمار الطاغي عليها، ابقاءها في ذاكرتي وخيالي كقطعة جميلة بسيطة من سوريّتي التي أحملها معي أينما أذهب”. يُتابع هذا اللاجئ السوري في النمسا الآن، مدينته وما حلّ بها من خراب، كما يتابع رغبته في قيادة دبّابة: “كم كان أنيقاً، لو أنّ الجسر بقي طائراً، وتستّرت عورةُ الدبّابة الفاضحة؟ كم كان جميلاً، لو أنّ الدبّابة تعطلت، وسكتَ هديرها، واستمعنا لأمِّنا تُنادي: تعالوا… العشاء اليوم بطيخ وجبن أبيض”.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى