صفحات سوريةفلورنس غزلان

سوريا بين الأمس واليوم

 


فلورنس غزلان

ماجرى ويمكنه أن يستمر ويجري على ساحة الوطن السوري، أمر يتعلق بنوعية سلطة قامت واعتمدت على القوة والقبضة الحديدية الأمنية، إن بعهد الأسد الأب أم الأسد الابن، لم يتغير الأسلوب ولا المسلك بطريقة التعامل مع الشعب وعلاقة السلطة بالشارع السوري، هذه العلاقة المنفصلة تماماً، والتي تكبر يوماً بعد يوم هوة المسافة وخندق الفرقة يتسع ويتعمق، لأن النظام ــ رغم الدماء،رغم الجروح ــ مازال مصراً على العنف وعلى مواجهة مطالب شعبية محقة بلغة الرصاص،ومازال رأس النظام يعتبرها” موجة ” يقلدها أبناء الشعب السوري وكأنها تقليعة موضة حديثة!، ويعتقد أن شعبه يتبعها هكذا دون وعي، فقد قال عنه في أكثر من مقال ومكان أنه شعب ” قاصر لايملك الوعي الكافي والتطور الفكري، ولا يتفاعل مع تطورات العصر الحديثة”، لكن أهم ما استطاعت أن تنجزه هذه التظاهرات الشبابية، هي كسر حاجز الخوف في ” مملكة الصمت السورية” وأن تنقل الخوف من الشعب إلى السلطة،فقد أثبتت انتفاضة الشباب السوري، الذي قدم أكثر من مئة شهيد ومئات الجرحى ومئات المعتقلين، أنها اخترقت حصن المناعة السلطوية ، التي كان يعتد بها النظام، كما كانت من الوعي بحيث ردت كيد مصائده وأفخاخه التخوينية وأوتار عزفه المقطوعة على أنغام الطائفية، بأنهم أكبر من ألعابه البهلوانية ونعق أبواق النظام الإعلامية، خشبية اللسان عتيقة الفهم ومتأخرة الإدراك، فبدت وسائل إعلامه المعتمدة أصلا والمتربية ” عقائدياً” على التحشيد والتلفيق والتزوير مرتبكة تلوك حكاياتها وكأنها قادمة من عالم آخر..ترتكز على نهج تعلموه وورقة لعبوها في الماضي، ربما أفلحت آنذاك ــ لكنها لم تلحق ركب الحضارة المعلوماتية اليوم فجاءت هزيلة ومحط سخرية للشباب الواعي..الذي قذف بدعايات النظام إلى سلة المهملات..فحين ينسب النظام هذه الانتفاضة لِ” عصابة تروع الناس وتقتل المتظاهرين مرتبطة بالخارج المتآمر على سوريا..سيتم الإعلان عن عناصرها وعرض اعترافاتهم على الملأ”!! ..حسب رأي السيد” إلياس مراد” وبقية الناعقين من” حاج علي وخالد عبود”، وماشابه من شلة المطبلين بالدنيا مزمرين بالآخرة..بل ممن (يحج والناس راجعة)..وعندما تسألهم وسائل الإعلام، التي يعتبرونها متآمرةهي الأخرى ومع هذا يحاورونها ــ لماذا لاتظهر هذه العصابات و تعتدي على ” المُسَيَّرات التي تحشدها السلطة تأييداً للنظام؟” ..تخرس أصوات المنافحين وتستمر في إلقاء عظاتها..الوطنية المتماهية بالنظام لا بالوطن ومصالح الشعب ومطالبه المشروعة كبشر!، والتي لايفهمها النظام إلا ضمن سياق ( وطنية = ولاء للنظام، معارضة للنظام ومطالب بالحرية = مؤامرة خارجية وخيانة للوطن)!! ..وهنا مربط الفرس ، لأن النظام مازال يعيش في برجه العاجي ــ رغم الموت ــ لايعترف بالشعب ولا يراه إلا كقطعان في حضيرته الخاصة…مازال ينكر عليه إنسانيته وحقوقه التي أقرتها الشرائع الدولية والدستور السوري المعلق العمل به بقانون طواري يقول ويدعي أنه” يدرس إمكانية رفع حالته”!، لكنه يستبدله بما هو أشد وأدهى بقانون” محاربة الإرهاب”، هذا يعني عودة النظام لتقييد حرية الفكر والمعتقد وحرية التظاهر وحرية التعبير تحت مسميات جديدة يربطها بالإرهاب!!..فمشاريعه الترقيعية ، التي يسميها إصلاحاً ماهي في الحقيقة إلا عملية إلتفاف واحتواء لتهدئة الشارع السوري، ومادامت القرارات تُطبخ في أجهزة الأمن المتضخمة لدرجة الانفجار، ومادامت ” القيادة القطرية” هي من يصدر ويدرس القرارات…وهذا يعني ويَفترض أن الشعب السوري برمته بعثي وهذه القيادة هي برلمانه المنتخب منها!!!، ومادامت المادة الثامنة من الدستور على رأس قائمة العمل السلطوي، فكل عمليات الإصلاح باطلة، باطلة لاتعمل وكسيحة لن تقوم بشيء ولا يمكن لها أن تدير عجلة حنتور.

يصرخ بكل مايحمل صوته من قوة خطابية دعاة النظام عبر الفضائيات العربية والأجنبية، أن قرارات الإصلاح تحتاج لوقت، وأن سيادة الرئيس قال” نسرع ولا نتسرع”، وأن القوانين لاتقرر دون دراسة وتحتاج لمؤسسات ، وليس الرئيس من يقررها!!، هنا أيضا نقف وكلنا دهشة من حجم النفاق والكذب وكأنها صفات متلازمة لكل أقطاب حكوماتنا العربية الديكتاتورية..وهو استغفالهم للشعب ومخاطبتهم له وكأنه عبارة فعلاً عن قطيع..استهتار بذكاء الشعب وبفهمه..مع أن قليل الفهم والذكاء هم قياديه ، وإلا كانوا استوعبوا الأسباب والدوافع والإشارات قبل أن تقع على رأس خيباتهم المتلاحقة وفشلهم الذريع في فهم شعوبهم.” القذافي يخرج علينا بأنه ليس رئيساً وإلا لرمى الاستقالة بوجوه من طالب بها!، لكنه يقول أنا قائد ثورة للأبد!، ويرسل ابنه سيف الإسلام ليخاطب الناس ويطرحه الآن كوريث ، ولا يحمل ابنه أي صفة رسمية” …بشار الأسد يرسل السيدة شعبان ” وهي مستشارته” وكمستشاره لايحق لها التوجه للشعب وليس من مهماتها، ولم يسبق لمستشار رئيس أن حل محل الرئيس في التوجه للشعب نيابة عنه!، وهذا منتهى الحط لقيمة الشعب ولكرامته..وحين تتحفنا طلته..لايقول شيئاً!!! يضحك ويهزأ ولا يعتذر ولا يعزي بالضحايا! .

ويفترض إعلام النظام وأبواقه أن ذاكرة الشعب قصيرة وتنسى ، أو يستخف بعقل المواطن الذي لم ينس عام 2000،حين اتخذت ” القيادة القطرية” قرارها بتوريث سوريا لبشار الأسد، ووجدت أمامها عقبات السن القانونية والتي ينص عليها الدستور ، ناهيك عن رتبته العسكرية..استطاع ” مجلس الشعب الموقر” أن يغير القانون بخمس دقائق فقط لاغير!..وتم تفصيل الدستور من جديد ليأتي على مقاس الرئيس ، الذي لم يبلغ السن الدستورية فخفض العمر ليأتي مطابقاً لما هو عليه آنذاك ” 34 سنة”!..إذن القصد هو التحايل والمماطلة بالاصلاح وعدم الجدية في الموقف من مطاليب ملحة ، ” فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان” ياسيدة الرئيس حين تريد شراء ضمير وحق المواطن السوري بالحرية بألف ليرة سورية !..حين تعتبر أن مايحدث مجرد عصابات..وتحاول تخويف المواطن من أخيه المواطن ملوحاً بشبح ” الطائفية” فيرد عليك أهل دوما وأثناء تشييعهم لموتاهم ــ دوما المعروفة بتعصبها الديني فهمت ووعت لعبتك التمزيقية ــ، فراحت الجموع الثكلى تردد” واحد ..واحد واحد…الشعب السوري واحد..كلنا وحدة وطنية إسلام ومسيحية”، على لسان شاهد عيان ” سجين يساري سابق” حضر التشييع ويزيد:” اكتفيت، وبكيت، كان الوعي أكبر من أن يصدق”، إذا كان أهل دوما قد أدركوا لعبة أجهزتك وهزالة دعايات أزلامك وأن ورقتهم خاسرة ، فيستحسن إذن أن” تلعبوا غيرها “!

مانريد ان نستخلصه مما سبق ومن هذه الانتفاضة، أن عجلة الزمن لن تعود للوراء، وأن محاولات الإلتفاف لن تجدي نفعاً ولا تنطلي أو تفي بالغرض ، فما وقع من ضحايا ومن جرحى وما يتم من اعتقالات يومية تشهدها كل محافظات البلاد من دير الزوروالقامشلي إلى حمص وحلب واللاذقية ودمشق ودرعا.، كلها ينم عن اضطراب وإعلان حرب على الشعب، هكذا يحس المواطن السوري ، أنه مهدد بشكل يومي ، حياته وحياة أسرته في خطر، ولا يرد عنه الخطر سوى العودة للقطيع والعبودية والذل، وهذه لغاها الشعب السوري من قاموسه ولن تعود بعد اليوم ، لأنه يسعى لنيل حقوقه الإنسانية المشروعة ..أما أن يتم التعامل معها على أنها مطالب ترتبط بالخارج وبالمؤامرة! فماعلاقة الخارج وماعلاقة المؤامرة بالحرية ؟ لانريد أن نعيد ماتكتبه صحف العدو من هآريتس إلى غيرها وتخوفهم من تغير النظام!، لأننا لانسلك مسلك النظام التخويني، مطالب الشعب السوري مطالب مشروعة..وهي مرحلية لأنه يحلم بالتغيير..فإما التغيير أو العودة لمربع العبودية وهذا مالا يتمناه أي مواطن حر.

ــ باريس 4/4/2011

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى