صفحات العالم

سوريا بين تركيا وايران والسعودية!


سركيس نعوم

تحاول تركيا “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي  تبوُّء سدّة القيادة في المنطقة من خلال سعيها المستمر لادارة “ازمة سوريا” الناجمة عن انتفاضة قسم من شعبها على نظامها. لكنها لم تنجح حتى الآن في محاولتها، اذ استعملت في بدايتها الصداقة والتحالف مع سوريا. لكن ذلك لم ينفع مع الرئيس الاسد. ثم استعملت التحذير لكنه اخفق بدوره. وبعد ذلك استعملت التعاطف مع المنتفضين بايواء اللاجئين منهم على اراضيها وباستضافة قياداتهم ومساعدتهم لتشكيل قيادة موحدة للمعارضة قادرة إما على اقناع نظام دمشق بالتجاوب مع الاصلاح وإما على قيادة ثورة شعبية شاملة تطيحه وتؤسس لبديل منه يرضي الناس. لكن هذه الطريقة لاقت كذلك الفشل. فلم يكن امام القيادة التركية الا امهال زميلتها السورية اسبوعين لتحقيق الاصلاح  او لمواجهة غضبها واشتراكها مع المجتمع الدولي في الضغط عليها بكل الوسائل لانقاذ الشعب السوري. إلا أن القيادة المذكورة لم تصب بالهلع بل وجهت الى تركيا رسائل عدة تفيد انها هي ايضاً يدها “طايلة” وانها ليست بالضعف الذي يتصوره حكامها الاسلاميون. واليوم وصلت تركيا الى حد القطيعة مع الأسد ونظامه. لكنها محتارة اذ انها لا تزال تبحث عن افضل السبل لإقناع السوريين الثائرين الذين احبطوا منها بعد رهانهم عليها وغيرهم بأهميتها وبالحاجة الى دورها السوري فالاقليمي.

ما هو افضل السبل لنجاح تركيا “حزب العدالة والتنمية” في ممارسة دورها الاقليمي الطموح؟ يعتقد عدد من المتابعين والباحثين الاميركيين ان الدور السوري لتركيا لن يكون قابلاً للممارسة الا اذا قامت صاحبته بالتنسيق مع الجمهورية الاسلامية الايرانية التي صارت وبعد 32 سنة من قيامها قوة اقليمية عظمى. وهذا الأمر يجب ان لا يكون غريباً على الحكومة التركية لأنها مارست منذ وصولها الى السلطة قبل نحو عشر سنوات تنسيقاً مع ايران هذه في الموضوع العراقي، وتحديداً في الموضوع الكردي داخل العراق، وهو موضوع يشكل تهديداً مباشراً لها ولتركيا جراء تحول كردستان العراقية ملجأ ومعقلاً لحزب العمال الكردستاني التركي الثائر على الدولة ايا يكن حاكمها رغبة منه في الانفصال وتأسيس دولة كردية او على الاقل اقليم يتمتع بحكم ذاتي في اطار الدولة التركية. فضلاً عن ان التعاون مع ايران يفرضه واقع اساسي ومهم جداً هو ان وجود تركيا داخل سوريا يقتصر عملياً على وجود بعثتها الديبلوماسية في دمشق، وعلى تنامي التبادل التجاري في سنوات المصالحة الاخيرة، وربما على بعض العواطف والمشاعر وإن متناقضة، في حين ان الوجود الايراني داخل سوريا لم يعد يقتصر فقط على العلاقات الديبلوماسية. فهو تعدى ذلك الى علاقة تحالف استراتيجي بين الدولتين اسسه الرئيس الراحل حافظ الاسد ودافع عنه رغم رفض غالبية العرب له، وتابعه نجله الرئيس الحالي بشار. علماً انه صار حالياً وجوداً فعلياً سياسياً وامنياً وعسكرياً وسلاحياً واقتصادياً ونفطياً الى آخر ما هنالك من انواع الوجود.

ما هو الموقف الفعلي للجمهورية الاسلامية الايرانية من تعاون تركيا معها في الموضوع السوري وخصوصاً اذا كان هدفه تأمين اضطلاع الثانية بدور مهم سورياً ومن خلال ذلك بدور مهم اقليمياً؟

طبعاً، تفضل ايران الاسلامية، استناداً الى المتابعين والباحثين الاميركيين انفسهم، استمرار نظام الأسد ونجاحه في قمع الانتفاضة الشعبية ضد نظامه بالقوة العسكرية والأمنية، أو في التفاهم معها على تسوية تاريخية اصلاحية لا تنعكس سلباً على الخيارات الاستراتيجية لنظام الاسد ومنها التحالف مع ايران. لكنها في الوقت نفسه تعتقد ان التعاون مع تركيا سوريّاً قد يكون مفيداً لتأمين مصالحها بل للمحافظة عليها في ظل الاضطراب وعدم الاستقرار المتصاعد في سوريا والمهدد لها. كما قد يكون مفيداً في حال نجاح “الشعب” في اطاحة نظام الاسد، اذ ان استمرار اصطفافها معه قد ينهي دورها السوري، واستطراداً اللبناني والفلسطيني أي المشرقي في حال نجحت الثورة الناشبة منذ ستة اشهر في اسقاطه.

أليس في اختصار الادوار المهمة في سوريا والمنطقة بتركيا “الاسلامية السنية” وايران “الاسلامية الشيعية” تبسيطاً وتجاهلاً لأدوار قوى اقليمية مهمة أخرى؟

طبعاً، يجيب المتابعون والباحثون انفسهم. فالسعودية قد تكون مشكلة امام التعاون الثنائي المفصل اعلاه نظراً الى الحذر بينها وبين ايران والى خوفها وغالبية العرب منها. ولذلك فإن مهمة تركيا قد تصبح كيفية التنسيق بين هاتين الدولتين في الموضوع السوري، وليس ذلك بالأمر السهل.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى