صفحات العالم

سوريا بين مطرقة الاستبداد وسندان التدويل


مراقبة الاستبداد!

مروة كريدية

حتى لا نقع ضحية تفسير الواقع المعلوم بمجهول مبهم، وفريسة “التنظير ” والمثالية في عالم تحكمه البلطجة، تبقى مجريات الأحداث اليومية مدار التحليل في وقت يصبح السكوت عن دموية المشهد السوري أمرًا يتنافى مع أبسط الحقوق الانسانية والأعراف البشرية ؛ و منذ قدوم المراقبين العرب في 25 ديسمبر الماضي لم يتضح حتى الآن عددهم على وجه الدقة غير انه من المؤكد انهم لم يتجاوز المئة حتى نهاية الأسبوع الماضي مع العلم ان وصولهم تأخر قرابة خمسة أيام قبل التوافد الى دمشق وانتشارهم في المناطق الساخنة، فيما استمر مسلسل القمع والقتل اليومي بمعدل 20 قتيل يوميا بينما كان الرهان على ان أعمال القتل ستتوقف فور وصول المراقبين.

وحول هذا السياق يمكن أن نُسجل النقاط التالية:

o من الواضح ان النظام “الرسمي ” ماقبل عمل المراقبين العرب إلا تفاديا من تدويل الأزمة في محاولة منه لاحتواء التداعيات التي يمكن ان يجلبها تدخل مجلس الأمن.

o عمد النظام على عرقلة عمل المراقبين وتوجيهيم في المسار الذي يتناسب معه حيث نجد ان مجموعات “الأمن السوري” ترافق وتواكب تحركات عمل المراقبين،الأمر الذي دفع ببعض السكان لا سيما في حمص الى الإحجام عن عرض أوضاعهم المأساوية خشية انتقام رجال الامن منهم فيما بعد.

o لعل الأمر الأكثر غرابة واستنكارا هو تمكين الجنرال السوداني محمد أحمد مصطفى الدابي من رئاسة بعثة المراقبين، وهو شخص”عسكري” وفي أحسن الأحوال لا يمكن ان يتحلى بشفافية الدفاع عن الحقوق الانسانية في حرية التعبير والتغيير فيما هو متورط كطرف أساسي في العمليات العسكرية في اقليم دارفور.

o أما من ناحية زيارة السجون وإطلاق المعتقلين السياسيين فإن النظام اعلن عن اطلاق سراح حوالي 760 معتقل الأربعاء الماضي بينما تشير تقارير المنظمات الحقوقية الى وجود ما يزيد عن 37 ألف معتقل وثقت أسمائهم، كما تتهم المعارضة النظام بإخفاء المسجونيين في معتقلات سرية في مواقع غير معروفة لم يعلن عنها النظام، بينما لا زال عدد بارز من النشطاء المعروفين قيد الاعتقال منهم عامر مطر والناشطة ريم العزي وشادي أبو فخر وغيرهم.

o لا تزال وسائل الاعلام ممنوعة من تغطية الأحداث بشفافية بينما تكتفي الفضائيات السورية الرسمية بإبراز رأي السلطة وعرض مشاهد لمراقبين يزورون مصابين في مستشفيات حكومية قالوا انهم تعرضوا للعنف على ايد “الارهابيين “.

o شكل وجود المراقبين شعورا لدى المتظاهرين بالأمان حيث أظهرت مظاهرات الجمعة الماضية في 30 ديسمبر زخما أكبر في عدد المتظاهرين الذي عبروا في يافطاتهم عن الاحباط واظهروا حرصهم ورغبتهم الصادقة بضرورة نقل المراقبين لمعاناتهم وآلامهم بعد مرور ما يزيد عن 10 أشهر على اندلاع الاحتجاجات.

خلاصة القول فإن نص المبادرة العربية يقضي بوضوح على ضرورة : وقف شتى أعمال القتل وسحب الجيش من الاحياء والمدن والإفراج عن المعتقلين ومن ثم الدخول في حوار سياسي داخلي جاد، غير ان شيئا من ذلك لم يتحقق حتى الآن. في وقت لا زالت الدبلوماسية السورية تعمد الى المراوغة عبر الفصل الدائم بين الجوهر السياسي للمبادرة العربية وبين بروتوكول عمل المراقبين كما كان واضحا من كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحفي بينما حرص الناطق الرسمي باسم الخارجية جهاد المقدسي على وصف المناطق التي تشهد احتجاجات بانها “خارجة عن القانون” وان النظام السوري لا يضمن سلامة وامن المراقبين.

أخيرا ؛ لا ندري الى اين سيتجه المركب السوري في ظل العاصفة ولا كيف سيتجه عمل المراقبين العرب في ظل العرقلة المستمرة و اشتراط النظام على المراقبين ضرورة الاطلاع على التقارير الصادرة عن بعثتهم قبل ارسالها الى الجهات المعنية بمتابعة الملف، بيد ان الاستبداد واستمرار القتل هو مجلبة التدويل الأولى، ولا شيئ أسوأ من مصيرين متحالفين في جوهرهما: اما الاستعمار واما الاستبداد او ان ترزح الشعوب تحت وطأة الإثنين معا وعندها تكون الطامة الكبرى، وبين مطرقة القتل والاستبداد المستمر وسندان التدويل والاستعمار يسحل الشعب يوميا في وقت لم يعد بوسع اي “حاكم” ان يحافظ على موقعه عندما تهب رياح التغيير من الداخل إلا إذا كان اول الراكبين في مركب التغيير!

http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى