صفحات الناس

سوريا ترتجف/ مروان أبو خالد

كانت الأمطار والثلوج تعني الخير في سوريا، وخصوصاً بالنسبة لمجتمع تعتمد فئة كبيرة منه في معيشتها على القطاع الزراعي. إلا أنه منذ أن تشرد السوريون خارج أرضهم، ومنذ أن بدأت الطائرات تلاحق حركة نزوحهم الداخلية، ومنذ أن سادت الفوضى الأسواق، أصبحت العواصف مصدر شؤم وخوف وترقب للأسوأ. ولكي تزيد المأساة المعيشية، ارتفعت تكاليف التدفئة مع وصول العاصفة أليكسا إلى سوريا، بما لا يقل عن ثلاثة أضعاف مما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي.

فسوء الظروف الجوية السائدة الآن دفعت لارتفاع سعر ليتر المازوت في السوق السوداء إلى 100 ليرة بعدما كان قبل حصول العاصفة أليكسا 90 ليرة، في ظل توقعات أن يستمر ارتفاع سعره في السوق السوداء ليصل في منتصف الشهر الجاري إلى حدود 120 ليرة. ويضاف إلى ذلك، ارتفاع خيالي في أسعار المدافئ التي تعمل على المازوت بما لا يقل عن 6-8 أضعاف أسعارها في العام الماضي. والحجة الدائمة عند التجار هي ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص المعروض في ظل إغلاق أعداد كبيرة من الورش المصنعة في عدرا والقابون وداريا بسبب اشتعال المعارك العسكرية هناك. وبالنظر إلى الأسعار فإن المدافئ الصغيرة الشعبية والتي كان سعرها 2000 ليرة لا يقل سعرها اليوم عن 12 ألف ليرة. وترتفع أسعار المدافئ الكبيرة تبعا لاختلاف الميزات،  كما أن ملحقات المدفأة من البواري وطاسة المازوت وغيرها ارتفعت كلها لتصل إلى 300 ليرة للبوري الواحد، و 700 ليرة لطاسة المازوت.

أما استخدام المدافئ الكهربائية فيبدو مستحيلاً اليوم، بعدما أصبحت الكهرباء لا تزور بيوت السوريين إلا نادراً. فانقطاعها المتكرر وارتفاع الفواتير حرمت السوريين من الاعتماد عليها لأغراض التدفئة. وبرغم ذلك فإن جنون الأسعار طال أيضاً المدافئ الكهربائية، فالمدافئ صغيرة الحجم يتراوح سعرها اليوم ما بين 2500-3000 ليرة علماً أن سعرها كان لا يتجاوز قبل اندلاع الأزمة في البلاد حاجز 700 ليرة، أما المدافئ  ذات الحجم الأكبر فيتراوح سعرها اليوم ما بين 10-25 ألف ليرة تبعاً لمواصفات التصنيع والمزايا العديدة التي تملكها المدفأة.

وبعدما كان اللجوء للتدفئة على الحطب في الشتاء الماضي هو الحل الأمثل بالنسبة لغالبية السوريين بسبب ارتفاع تكاليف التدفئة على المازوت والكهرباء، فإن هذا الحل أًصبح مستحيلاً اليوم أيضاً. إذ أن تأمين الحطب للتدفئة أصبح من الكماليات الترفيهية نظراً لوصول سعر طن الحطب إلى 50 ألف ليرة بعدما ارتفع سعره سابقاً من 18 ألف ليرة إلى 40 ألف ليرة للطن الواحد. كما أن أسعار مدافئ الحطب تسجل حالياً ارتفاعات كبيرة، فالمدفأة التي كان سعرها 5000 ليرة يتجاوز سعرها اليوم 9000 ليرة، والتي كان سعرها 10 ألاف ارتفع سعرها اليوم إلى 15 ألف ليرة، ليصل سعر المدفأة إلى 25 ألف ليرة في حال كانت ممتازة النوعية.

هكذا، دفع ارتفاع أسعار المدافئ والمحروقات بالسوريين إلى تصنيع مدافئ محلية من البراميل أو “القازانات” المخصصة لتسخين المياه. فالكثير من الأسر تأتي ببرميل حديد أو “بقازان” ماء عتيق، وتحوله إلى ما يشبه المدفأة، وفي ظل العجز عن شراء المحروقات والحطب، يلجأ البعض إلى نبش القمامة للبحث عن بقايا قطع الخشب أو الكرتون ليتم حرقها داخل المدافئ المصنعة يدوياً، أو عبر اللجوء إلى الزيت المحروق أو الفحم، على الرغم من المخاطر الصحية الكبيرة المترتبة على احتباس دخان هذه المحروقات داخل المنزل، ناهيك عن الروائح الكريهة الصادرة عنها. ولكن بالنسبة للكثيرين فإن هذا يبقى أفضل من الموت برداً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى