صفحات سوريةغازي دحمان

سوريا: حان وقت تغيير قواعد الاشتباك

غازي دحمان

تتمثل الإشكالية الكبرى في الأزمة السورية، أن ألأطراف الأساسية الداعمة لبشار الأسد وفريقه، والنظام نفسه، يشتغلون في ظل مناخ وإشتراطات دولية مريحة، تتسم بمستوى عال من التبسيط وعدم التعقيد، وهو ما يشكل عاملاً مساعداً لتلك الأطراف على تطوير إستراتيجياتها وطبيعة عملها، الذي يتسم بالتصعيد المستمر.

في المقابل يتسم أداء وسلوكيات الأطراف المقابلة بطبيعتها الأزموية، فهي صادرة عن طيف واسع من الأطراف المختلفة، التي تملك رؤى تحليلية متقاربة للحالة، ولكنها تفتقر لتفعيل تلك الرؤى وتحويلها إلى إستراتيجيات موحدة، وإلى آليات تنفيذ واضحة ومحددة. فمثلاً، تجتمع فرنسا والمانيا ضمن هذا الطيف، لكنهما تختلفان حول طبيعة الإجراءات المطلوب إتخاذها لمساعدة الشعب السوري، إذ بينما بدت فرنسا متحمسة لتقديم السلاح للثوار، عارضت المانيا مثل هذا الإقتراح بشدة، داعية إلى إتباع أساليب أخرى.

كذلك، فإن مواقف هذه الأطراف تتميز بمحدودية الخيارات، على عكس مواقف الأطراف الداعمة لفريق بشار الأسد التي تتمتع بمروحة واسعة من الخيارات: من الدعم السياسي إلى الدعم المادي إلى الدعم العسكري والتقني بكل أنواعه، وهو دعم مفتوح يمتد من التدريب القتالي إلى تسييل كل أنواع الأسلحة. فيما تكاد تقتصر مساعدات الطرف الآخر على نوعيات محددة من الأسلحة وبطريقة حذرة جداً، ما يجعل أهدافها محصورة تحت سقف تحقيق التوازن الميداني، إن أمكن، طمعاً بجلب الفريق الثاني إلى طاولة التفاوض.

وفق هذه الآلية، ليس ثمة أمل بأن يصار إلى تحقيق أي إختراق مهم، في سياق الحدث السوري. وثمة حاجة، باتت ملحة اليوم أكثر من غد، لأن يعمل العالم على تعديل رؤيته للحدث السوري بإعتباره قضية تهدد الأمن والسلم العالميين، وإعادة توصيف الحالة على أنها قضية إستراتيجية بإمتياز، تهم العالم كله، وتقع في قلب مصالحه، وهي قضية لا تخص روسيا وإيران وحدهما، بل تعني مصالح العالم وأمنه.

في هذا الإطار يمكن التوافق على جملة من المبادئ والمصالح، التي يتوجب حفظها ومراعاتها لمختلف الأطراف. لكن، أيضاً ثمة قضايا صارت من البديهيات، وصار يتوجب عدم إخضاعها لمزيد من النقاش والفحص والتحليل، ليس لما تستهلكه من وقت ما عاد أحد يمتلك ترفه، ولكن لما تخلقه من مناخ إستفزازي من شأنه إلغاء الثوابت والتأثير بها، فليس من المنطقي إستمرار الخضوع لابتزاز الروس، ورفضهم أي حديث عن “مصير الأسد”، لأنه ومصيره محور كل المناورة، التي يلعبونها تحت عنوان “دعوا الشعب السوري يقرر”. وهم يعرفون طبعاً أن هذا مجرد شعار صحيح سياسياً لكنه معدوم المعنى واقعياً، إذا كان سيخضع لموازين القوى العسكرية. كما آن الأوان لتسمية الأشياء بمسمياتها، وإفهام الروس بأن كل شعوب العالم لا ترى أن “بوتين” يقدِّم السلاح – بالأحرى يبيعه – إلى الجهة الصالحة، فثمة مقاتل صار مجرماً إذ أكل قلب ضحيته، لكن ثمة نظاماً تصنفه تقارير محققي لجنة حقوق الإنسان مجرم حرب، إذ لا يتوقف عن القتل والتدمير، وصار الآن يستخدم السلاح الكيماوي ضد شعب سوريا بأكمله.

لم يعد كافياً أن تكتفي الدول التي تدعي دعم الشعب السوري بالتنديد والرجاء. تلك أساليب ناعمة جداً ولا أشواك لها. على هذه الدول التلويح بإجراءات رادعة، والبدء بالتمهيد اللوجستي لها في الميدان. ولاشك أن مثل هذا الإجراءات سيثير عدداً من المخاوف بالنسبة لجميع الأطراف، ولاسيما الأسد الذي يعرف جيداً أنه لن يستطيع الانتصار، حتى في ظل المساعدات العسكرية الروسية والإيرانية، لو قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها الانخراط فعلياً في الحرب. وهذا الإدراك قد يقنع الأطراف جميعاً ببذل جهد دبلوماسي أكبر لبلوغ الحل. لاشك أن ديكتاتوراً مثل الأسد لا مجال لدفعه للتفاوض حول الخروج، إلا بتأكده أنه منهزم لا محالة.

هذه واحدة من قواعد الاشتباك الجديدة الواجب إتباعها، وثمة قواعد وخيارات أخرى بديلة يتوجب أن تكون جاهزة، ذات طبيعة سياسية وإقتصادية، من نوع عزل روسيا سياسياً في مختلف المحافل، كما على الدول العربية أن تفعّل قراراتها، فهي إذ لا تملك قوات عسكرية، فهي تستطيع أن تقاطع روسيا اقتصادياً.

البقاء في إطار قواعد الاشتباك القديمة بات أمراً غير مجدٍ، ما لم تطور الدول سياسات تعاطيها مع الحدث، فإن الأزمة مقدر لها أن تتفاقم وتتطور في سياقات لن ينجو أحد من تبعاتها. ثمة مؤشرات عديدة على أن الأمور تتجه صوب الأسوأ. النظام وحلفاؤه، باتوا يعبثون بالتركيبة الديمغرافية وبالجغرافيا السياسية السورية. الإتكال على بوتين وروحاني في تغيير سياستهما مثل المراهنة على صعود الماء، لا يستطيع أحد أن يتهمهما بتبني قيم معينة، الرجلان من رحم أنظمة لا قيم لها إلا قيم التسلط والقهر.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى