صفحات العالم

سوريا في ضيافه الهمجيه.

 


المهدي الادريسي

لسان العرب يصف الهمج بأنه «ذباب صغير يسقط على وجوه الغنم والحمر وأعينها» ، وربما كان بعوضا. ويقول اللسان بأن الهمج من «أراذل الناس». واستغربت من حكمة العرب التي تربط الهمجية بالرذيلة وانعدام الأخلاق، على وجه العموم. وكيف أن الهمجية تبلغ زباها في حال حوادث العنف والحروب الأهلية، حيث يفجر الواحد نفسه في الأسواق العاجة بالناس لتقتل بذلك الصغير والكبير والمدني وغير المدني. ويفجر الواحد منهم البشر في أماكن العبادة والناس قانتين لربهم، مبتهلين إلى رضوانه. وحتى إذا لم نتفق مع طقوس تلك الأديان والمذاهب، فإن ذلك لا يخول لنا أن نقوم بالعنف ضد المصلين، أيا كانت ديانتهم أو ملتهم.

هل أصبح العالم العربي يقود حروبه عبر طرق همجية وبربرية، لا قدر فيها أو قيمة لحياة بشرية أو لأماكن دينية كالمساجد وأماكن العبادة، وغيرها من المقدسات. تساءلت في نفس هذا الأسبوع حين رأيت المساجد تستهدف في صلوات الجمعة في العراق، وفي اليمن. وتأملت في خاطري كيف يمكن استهداف البشر الذين يؤدون صلواتهم، حتى لو كانوا غير مسلمين، فكيف بهم وهم مسلمون؟ كلما ازدادت همجية المجتمعات، كلما اختزلت تاريخها ومستقبلها، ولنا في المغول والتتار وهمجماتهم التاريخية ضد بغداد وغيرها من الحواضر الإسلامية خير مثال حيث كانوا يستخدمون العنف والهمجية كهدف في حد ذاته، ولم يكن لهم برنامج سياسي، أو نهج أخلاقي. لذلك فقد اندثرت تلك الهجمات على المشرق العربي حين وصلت إلى مرحلة الإنهاك الذاتي، ولكن للأسف ليس قبل أن تقضي على الدولة العباسية وحضارتها الزاهرة.

على قدمٍ وساق، يسعى نظام الرئيس السوري بشار الأسد تجاه إبادة شعبه، وكأنه بذلك يرغب في أن يحكم هو بمفرده، يظلّ على كرسيه، فلا يجد من حوله، سوى حاشية تسمع له وتطيع، تأتمر بأمره، ولا تعترض على نواهيه.

أقلّ ما يوصف بما يفعله الأسد وزبانيته من الأجهزة الأمنيَّة في جسر الشغور بأنها حرب إبادة بكل المقاييس، يرتكبها هذا النظام الذي لا يعرف للإنسان حقوقًا، أو يدرك للحياة معاني، أو أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة.

ما يفعله النظام السوري بحق شعبه، وما يرتكبه من همجيَّة، يعيدنا إلى القرون الوسطى، والأخرى التي قبلها، عندما كانت تُهدر كرامة الإنسان، وفق ما كان يتبعه سابقاه الساقط زين العابدين بن علي، والمخلوع حسني مبارك، وكأن الأسد لم يستفدْ منهما، فمارس الإجرام بحق شعبه على نطاقٍ واسع، ولم يستفد من تجارب من سبقه.

ما يفعله نظام الأسد الهمجي اليوم في جسر الشغور وحماة ودرعا، وغيرها من المدن السورية الأبيَّة، يعيد إلى الأذهان ما فعله سلفه، وهو والده حافظ الأسد، ومعه ابنه الراحل باسل الأسد في حملة إبادة جماعيَّة، بحق أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، عندما أبادهم في مدينة حماة، فحفر لهم الخنادق في الطرقات، ثم وارى على أجسادهم الطاهرة الثرى، ليقيم المباني والمنشآت فوقها، حتى أصبحت حماة لا يخلو منها أثاث بيت، أو موقع أو مبنى منشأة، إلا وهي تضم رفات شباب طاهر عفيف، كل جريمته أنه قاوَمَ النظام، واستمسك بشرع الله الحنيف.

لم يكن يومها لأحد أن يتكلم أو يعترض على حملة الإبادة التي كان يمارسها حافظ الأسد ومعه ابنه باسل، فمن خلال ماكينة الإعلام الزائف كعادتها دائمًا في بلادنا العربيَّة، لا تعرف سوى العزف على قينان الفسق والفجور، تردِّد الأباطيل، ولا تستنكر الأراجيف، تكذب ليل نهار، تدعي حقوق الإنسان، وتروِّج للاستبداد، فلا تعرف الحقيقة لديها مكانًا، سواء كان ذلك عبر شاشة أو مذياع.

ومع صمود الشعب سقط منه شهداء وإصابات بالآلاف، وهو صابر محتسب، يتحرك لإسقاط نظامه بطرق سلميَّة، ولا سيَّما وأنه التحرك الفريد من نوعه، على الرغم من حملات الاستبداد التي كانت تُمارَس بحقه على مدى العقود الماضية، وتتواصل أكثر إلى يومنا، ولكن يبدو أن الشعب السوري فَاضَ به الكيل، ولم يعد يطيق بشار أو نظامه، وحتمًا سيبلغ هذا الشعب مراده، كما بلغه التونسيون وبعدهم المصريون، ويلحق بهم حاليًا اليمنيون، وينتظر الليبيون على قارعة الطريق.

المهدي الادريسي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى