صفحات العالم

سوريا في مرحلة عمر سليمان!


 علي إبراهيم

يذكرنا مشهد مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في دمشق وقاطعته شخصيات كثيرة من المعارضة بالمرحلة الحرجة التي سبقت إعلان تنحي الرئيس السابق مبارك في مصر عندما أدار وقتها اللواء عمر سليمان حوارات لإنقاذ الموقف مع قوى من المعارضة المصرية، ولكن أوان الحوار كان قد فات وسقف مطالب الشارع قد ارتفع، والمحاورون لا يمثلونه، ولم تعد هناك سوى كلمة واحدة هي «ارحل».. واضطر بعدها رأس النظام إلى الرحيل.

في دمشق رأس الحوار نائب الرئيس، فاروق الشرع، وفي القاهرة كان الذي يدير جلسات الحوار أيضا نائب الرئيس، عمر سليمان. الفارق أن الشرع نائب قديم بينما كان سليمان نائبا حديثا عُيّن تحت ضغط الأزمة كإشارة وقتها من النظام إلى استعداده لعملية نقل قريبة للسلطة بعد أشهر تستبعد سيناريو توريث الحكم من الأب إلى الابن، والذي جرى في سوريا قبل سنوات.

هذا التشابه في المشهد العام لا يعني أننا أمام سيناريو متشابه على الأقل زمنيا، فالظروف على الأرض مختلفة تماما، ففي مصر كان الشارع يتمتع بحماية الجيش الذي وقف معه، وأصبحت مؤسسة الرئاسة تحت ضغط الشارع والجيش معا ولا يوجد معها سوى بلطجية، بينما في سوريا الشبيحة (المرادف السوري للبلطجية) يد واحدة مع القوات العسكرية التي تقوم بالقمع، وكان الرصاص لا يزال يسمع في مدن سوريا التي تقع تحت القمع بينما ينعقد مؤتمر الحوار، وهو ما عبر عنه أحد المشاركين من الكتّاب، الطيب تيزيني.

مع ذلك فقد سمع وشاهد السوريون مباشرة على شاشات تلفزيونهم مؤتمرا يعقد في بلدهم توجه فيه انتقادات مباشرة للنظام وتجري فيه مطالبات بتفكيك الدولة البوليسية، وهو حدث غير مسبوق بالنسبة لهم، ولو كان وقع قبل 4 أشهر لكان ثورة في حد ذاته، لكنه لم يعد هكذا الآن، ومدينة مثل حماه أخرجت نصف مليون في جمعة «لا للحوار».

وفي المؤتمر قال الشرع كلاما يستحق الانتباه إليه، فقد اعترف بأنه لولا الدماء والتضحيات الكبيرة التي قدمها السوريون في مدن كثيرة لما حدث هذا اللقاء، ولا يتصور أنه كان يقصد بذلك ما يروجه النظام عن سقوط رجال أمن برصاص عصابات مسلحة، كما قال إن اللقاء بداية حوار وطني للانتقال إلى دولة تعددية ديمقراطية يتمتع فيها جميع المواطنين بالمساواة.

وإذا نحينا جانبا كلامه الذي قاله ويعكس وضعيته كأحد شخصيات النظام الرئيسية لفترة طويلة عن وقف التظاهر غير المرخص، لأنه يؤدي إلى عنف غير مبرر على قوله، فإن الجزء الأول من كلامه يمثل اعترافا بمطالب الشارع الذي يريد إنهاء احتكار حزب البعث للسلطة والحصول على الحرية، لكن المشكلة أن فارق التوقيت عدة شهور، فمثل هذا الكلام كان يمكن أن يحل الأزمة في بدايتها، لكن الآن مع سقوط نحو 1500 قتيل وآلاف المعتقلين أصبحت عملية تهدئة الشارع وإقناعه بالحوار حتى يتحمل مسؤوليته – على حد قول بثينة شعبان في المؤتمر – تحتاج إلى أن تتحمل السلطة مسؤوليتها إذا أرادت إقناع الشارع، فتضحي ببعض رموزها التي يكرهها الناس لتشعرهم بأن هناك تغييرا، وإذا كان الشرع هو الذي سيقود الحوار فإن الشارع يجب أن يشعر أنه رجل لديه سلطة حقيقية وليس مجرد مندوب عن الرئيس، وطبعا الأهم هو سحب القوات الحكومية من المدن المحتجة ووقف أعمال القتل والقمع الدموية مثل ما حدث لصاحب شعارات الثورة في حماه إبراهيم قاشوش الذي وُجد مذبوحا من حنجرته كما قالت مواقع المعارضة.

لا نعرف ما إذا كانت هناك أصوات تفكر بشكل مختلف داخل الحكم في سوريا، فهو نظام مغلق، وإن كانت هناك بعض الإشارات على وجود ذلك مثل محافظ حماه السابق الذي أقيل، كما أن كلام الشرع فيه اعتراف صريح بفشل الحل الأمني، وكذلك بأن دماء المحتجين هي التي فرضت الحوار نحو دولة تعددية.

المشكلة أن عملية الإنقاذ في اللحظات الأخيرة بعد انهيار الحل الأمني لا جدوى منها ما لم تكن بحجم ما حدث وتتسم بالسرعة والحسم، لأن أزمة الثقة أصبحت كبيرة، ومقولة «نصف ثورة تعني حفر قبرك بنفسك» أصبحت هي السائدة. لقد حاول عمر سليمان في اللحظات الأخيرة في مصر القيام بالإنقاذ وفشل، وفي سوريا لا شيء يدعو للاعتقاد بعكس ذلك حتى الآن.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى