إياد الجعفريصفحات المستقبل

سوريا في نادي بيلدربيرغ/ إياد الجعفري

 

 

ربما يستحيل أن نعرف ما الذي يدور في أروقة اجتماعات نادي “بيلدربيرغ”، المنُعقد في دريسدن الألمانية، على مدى الأيام الثلاثة الماضية،.. كما يستحيل أن نعرف تفاصيل النقاش المطروح حول سوريا، داخل أروقة هذا النادي المثير للجدل.

لكن يكفي أن نعرف أن أبرز منظّرين أمريكيين في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، هنري كيسنجر، وزبيغنيو بريجينسكي، هما ضمن الحضور اللافت المتواجد في اجتماعات النادي لهذه السنة، كي نخمّن، ما الخطوط العريضة التي ستُطرح حول سوريا..

نخبة نادي “بيلدربيرغ” التي بدأت اجتماعاتها منذ أكثر من ستين سنة، بغية تكوين نواة صلبة من الساسة ورجال الأعمال، تُدير العلاقات بين شطري شمال الأطلسي،.. تحوّلت في نظر الكثير من المراقبين إلى حالة يمكن توصيفها بـ “الدولة العميقة”، التي يدير رموزها، من وراء الستار، أو علناً، معظم سياسات الدول الغربية، تجاه القضايا الاستراتيجية المُلحة.

يناقش المؤتمر هذه السنة، كالعادة، أبرز القضايا التي تشغل بال الساسة ورجال الأعمال الغربيين.. وحسب برنامج النقاش المُسرب لوسائل الإعلام، ستكون المخططات الجديدة لروسيا بعد تدخلها في سوريا، إحدى القضايا التي ستتم مناقشتها، إلى جانب قضية الهجرة إلى أوروبا، وإشكاليتها.

أهمية قضية الهجرة تتضح في أن النادي سيستضيف، في بادرة غير معتادة، سياسيين أوروبيين من أصل مغربي، لطرح تجربتهما في الاندماج بالمجتمع الأوروبي.

لكن النقاش حول الدور الروسي المُستجد في سوريا، سيشغل هو الآخر حيزاً مهماً من النقاش. وهنا، نتوقع أن كلاً من هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وأبرز منظّري السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ الستينات، إلى جانب زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، ومهندس فكرة “حرب الجهاديين” ضد الاتحاد السوفيتي الأسبق في أفغانستان، سيكون لهما مساهمة جوهرية في النقاش.

فماذا يمكن أن يقول الرجلان حيال الدور الروسي في سوريا؟، وبماذا سينصحان نخبة الساسة ورجال الأعمال والمصرفيين المجتمعين في دريسدن الألمانية، في سياق رسم السياسات الغربية بهذا الصدد؟

بكل بساطة، سيقولان للغرب، تعاونوا مع روسيا في سوريا، وضد “داعش”، لكن بصورة تضبط الطموحات الروسية، ولا تهدد الشراكة القائمة مع الدول الحليفة الرئيسية في المنطقة (تركيا ودول الخليج). وتجنبوا إشكالية حكم الأسد في الوقت الراهن، إلى أن يتم التخلص من خطر “داعش”، ومن ثم، يمكن طرح العديد من الحلول “الخلاقة” لهذه الإشكالية، من قبيل تشكيل “دولة فيدرالية”، يكون الأسد ممثل العلويين فيها، حسب أحد تصورات كيسنجر المنشورة.

هذه هي خلاصة قراءات الرجلين اللذين يتمتعان بباعٍ طويل ومؤثر في التنظير للسياسات الخارجية الغربية تجاه روسيا والمنطقة العربية. هي قراءات منشورة بوسائل الإعلام.. فهل ما يُقال داخل الأروقة يختلف عن ذلك المنشور على صفحات الصحف؟

ما تفسير السرية التي تحيط باجتماعات نادي “بيلدربرغ”؟، ولماذا يرفض منظمو الاجتماعات السنوية لهذا النادي، أي حضور إعلامي، على خلاف العديد من النوادي والمنتديات المماثلة إلى حد ما، من قبيل منتدى دافوس مثلاً؟

يزيد من الشكوك والريبة حول هذا النادي، وما يدور داخل أروقته من طروحات، وما يُتخذ من سياسات، أن النادي مغلق أمام غير الغربيين، إلا باستثناءات قليلة، ولا يُسمح للمشاركين فيه بالكشف عن حقائق ما يدور في الداخل، أمام وسائل الإعلام.

هذه الشكوك لها جمهورها،.. فمتظاهرون خيموا في دريسدن الألمانية، التي تعج هذه الأيام بالإجراءات الأمنية المكثفة،.. ورفعوا لافتات كتبوا عليها، “إذا لم يكن لديكم ما تخفونه؟، فلم تخفون الكثير؟”.

جواب منظمي الاجتماعات السنوية للنادي عادةً، أن النقاش بعيداً عن وسائل الإعلام يصبح أكثر أريحية، وأكثر صراحة، ويتيح الوصول إلى توصيات ذات جدوى أعلى. وهو جواب يصب المزيد من الزيت على نار الشكوك حول طبيعة الطروحات التي تتم بعيداً عن أعين وسائل الإعلام.

وهنا ترد في خواطرنا مقولة مسرودة على لسان فرانكلين روزفلت، الرئيس الأمريكي الذي حكم لأطول فترة في تاريخ أمريكا، وقادها للخروج من أزمة الكساد الاقتصادي الكبير، ومن ثم قادها للانتصار في الحرب العالمية الثانية. يقول روزفلت: “لا شيء يحدث على سبيل الصدفة في عالم السياسة، وإذا حدث ذلك فاعلم أن ذلك مخطط له كي يظهر وكأن كل شيء قد حدث على سبيل الصدفة”.

بطبيعة الحال، لا بد أن روزفلت الذي أدار دفة القيادة بواشنطن لـ 12 سنة، خلال أحلك الظروف في تاريخها بالقرن العشرين، هو الأدرى كيف تُصنع القرارات الكبرى، وراء الأروقة، وفي اجتماعات النخب، بعيداً عن أعين الجمهور والإعلام.

وما اجتماعات نادي “بيلدربيرغ”، الذي يضم نخبة رجال الأعمال والساسة والمصرفيين الغربيين، إلا أكبر دليل على أن السياسات في دول الغرب، تُرسم بعناية، من شخصيات وازنة، تعمل في معظمها، من وراء الكواليس، لتكون الحكومات، مجرد منفذ، أو في أقل تقدير، متأثر، بتلك التوجهات التي تبثها تلك الشخصيات، من وزن الحاضرين لاجتماع “دريسدن”، هذه السنة.

أما عن سوريا وماذا يقال بخصوصها في اجتماع نادي “بيلدربيرغ”،.. فهو أحد أمرين، إما طروحات كيسنجر وبريجنسكي عن استيعاب التدخل الروسي بسوريا، وتجييره لصالح الغاية الأمريكية بتقزيم خطر “داعش”، أو سيناريو آخر مختلف، سيناريو يُراد فيه أن تظهر الأمور للجمهور وكأنها صدفة، لكنها ليست كذلك.

إن أردنا أخذ مسافة من معسكر “المشككين” حيال ما يدور في أروقة نادي “بيلدربيرغ”.. علينا أن نتوقع أن السنة القادمة ستشهد المزيد من محاولات التنسيق بين واشنطن وموسكو في الساحة السورية.

أما إن أردنا أن نكون في معسكر “المشككين”، فعلينا أن نتوقع مفاجآت في المشهد السوري، خاصة في بداية خريف السنة الجارية، من حجم تلك التي حدثت في مطلع خريف معظم السنوات التي تلت اندلاع الثورة السورية عام 2011، من قبيل الهجمة الكيميائية في الغوطة، والاتفاق الروسي – الأمريكي الذي تلاها، أو من قبيل تمدد “داعش” السريع، وإعدامها لأمريكيين، ومن ثم تشكيل تحالف دولي بقيادة واشنطن لضربها، أو من قبيل، التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب الدائرة على التراب السوري.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى