صفحات سوريةغياث نعيسة

سوريا : للثورة أعداء عديدين. وروح الثورة في السلمية/ غياث نعيسة

 

لم تسقط كوباني ( عين العرب ) في أيدي داعش, وذلك بفضل مقاومة القوى المتواجدة فيها وقوات المساندة التي وصلتها. والتي شملت قوات من البيشمركة من أقليم شمال العراق وعدة فصائل إضافية من الجيش السوري الحر.

لكن داعش. المنظمة الرجعية وذات الطابع الفاشي والمعادية للثورة . ليست التهديد الوحيد الذي تواجهه المدن « المحررة » أو المدن السورية التي تنتعش فيها القوى الثورية. بل هنالك تهديدات أخرى. وأولها جبهة النصرة . الشقيق التوأم لداعش. المنتمية لتنظيم القاعدة الارهابي, وأيضا حركة أحرار الشام ومجموعات جهادية أخرى أصغر حجما. دون نسيان , بالطبع, أن الطرف الأول المعادي للثورة وأكثرها دموية هو نظام بشار الأسد. فهذا الأخير يستكمل حصاره لمدينة حلب . المدينة السورية الثانية في أهميتها. بعد شهور طوال من القصف والتدمير لأحيائها الخارجة عن سيطرته. كما تقوم قواته باستعادة سيطرتها على عدد من البلدات في ريف حماة. في وسط البلاد. وفي ريف دمشق. والغوطة تحديدا.

والحال. فقد شنت جبهة النصرة مؤخرا هجمات واسعة على مواقع جبهة ثوار سورية . التي تضم قوى « ديمقراطية » في الجيش الحر. في منطقة إدلب في الشمال الغربي للبلاد. مجبرة الأخيرة على الانسحاب من مواقعها. في سيناريو يحاكي ما قامت به داعش قبلها. وبذلك. تسعى جبهة النصرة على تشكيل « إمارة إسلامية » لها في هذه المنطقة. بل أن قوات جبهة النصرة تتقدم نحو مدينة عفرين الكردية. التي تبعد نحو 200 كم غرب مدينة كوباني. والتي تشكل ثالث مقاطعة من الإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني PYD .

مدينة السلمية : روح الثورة

السلمية كمدينة هي بحد ذاتها رمز للثورة. هذه المدينة التي تقع في وسط سوريا, ما بين مدينتي حماة وحمص. تحدها من الشرق البادية والعراق. وتطل نحو الغرب الى الساحل السوري. ونحو الجنوب الى دمشق. وفي الشمال الى إدلب وحلب.

هذه المدينة التي كان يقارب عدد سكانها قبل الثورة نحو 150 ألف نسمة. أصبح عددهم اليوم 300 ألف مع توافد النازحين إليها من حماة وحمص وأريافهما. وضعف هذا العدد إن شملنا البلدات والقرى حولها. واذا كانت غالبية سكانها من الاسماعيليين. وهي فرع فلسفي وحر التفكير من الشيعة. لكن هذه المدينة معروف عنها انها تمتاز. كغالبية المدن السورية. بتسامح وتعايش. تاريخي. ديني وثقافي تعددي. وهي المدينة التي توصف بأنها مدينة « الفقر والفكر » , فقد عرفت بارتفاع المستوى الثقافي السائد فيها. وأعطت عددا هاما من الشعراء والكتاب البارزين . ولكنها تعرف . بشكل أخص. بأنها المدينة التي خرج منها عدد كبير من المعارضين السياسيين . وهي معقل للاحزاب العلمانية والقومية والشيوعية.

ولهذه الأسباب نفسها. فقد كانت عرضة للاهمال على الصعيد التنموي والاقتصادي الاجتماعي من قبل نظام الاسد الاب ومن ثم الابن. كما كانت ضحية لقمعهما. وعلى سبيل المثال.فان نظامي التعليم والصحة فيها يقومان بشكل أساسي على نشاط الجمعيات المحلية. كما أن السلمية تتميز أيضا بوجود طبقة عاملة حديثة وازنة تعمل في المصانع الواقعة حول حماة التي تبعد عنها حوالي 35 كم.

السلمية هي المدينة الثالثة التي انتفضت ضد النظام عام 2011 واتسمت المظاهرات فيها بانها حافظت على سلميتها حتى اليوم. ولم تخرج أي منها من الجوامع. رغم أن الجوامع. مع اندلاع الثورة. كانت الامكنة العامة الوحيدة التي كانت . نسبيا. بعيدة عن السيطرة والرقابة المتينة للنظام.

وقد لعبت التنسيقيات الثورية الميدانية وأيضا المجلس المحلي . في بدايات تشكيله الأولى. دورا مهما في النضالات وتنظيم التضامن مع الجماهير المحاصرة في المدن المجاورة. وسقط العديد من مناضلي التنسيقيات شهداء برصاص النظام . ولعل رمزهم هو الشهيد المناضل الشاب ملهم رستم الذي استشهد في 18 حزيران 2012 خلال محاولته . مع رفاق له. توصيل مساعدة غذائية لاهالي مدينة الرستن المحاصرة.(*)

ما تزال التنسيقيات القاعدية. للنساء والداخل…. حية في مدينة السلمية. تحمل برنامج الثورة الشعبية الأصيلة. وتعمل في ظروف شديدة الصعوبة.

كما تشكلت منها عدة كتائب مقاتلة. خلال العامين الماضيين. لكنها أبقت تواجدها خارج المدينة. لتجنيب اهاليها الدمار والتهجير.

وبالرغم من أنها ترسخ تحت هيمنة قوات النظام وميليشياته وقمعها. لكن مدينة السلمية. تقاوم: حواجز للجيش والشبيحة في المدينة وعلى اطرافها. انقطاع للكهرباء. التي لا تتوفر سوى ساعة او ساعتين في اليوم الواحد. وانقطاع للمياه. التي تتوفر على خط واحد كل اسبوعين. لتحيل الحياة اليومية للناس الى جحيم حقيقي.

أنها مدينة تقاوم النظام الدكتاتوري. وتقاوم ايضا قوى الثورة المضادة الرجعية . قوات داعش التي تتقدم من شرقها. وقوات جبهة النصرة التي تتقدم من غربها. والتي سيطرت مؤخرا على قرية لا تبعد سوى 5 كم عن المدينة.

أنها مدينة تعبر عن روح الثورة الشعبية وحالها اليوم.

يقوم اليسار الثوري وفصائل تحرر الشعب والتنسيقيات وكل الديمقراطيين والتقدميين بتنظيم مقاومة الجماهير فيها في مواجهة قوى الثورة المضادة : لن يمروا!.

إن روح الثورة الشعبية السورية بحاجة ملحة الى تضامن أممي صادق وفعال.

———

 

https://www.youtube.com/watch?v=AxF7OsPSEx8)(*)

رابط فيديو مظاهرة تشييع الشهيد ملهم رستم في 23 حزيران – يونية 2012

====================================================

المقال نشر اليوم – 12 ت2- نوفمبر. بالفرنسية في جريدة أنتي كابتاليست. جريدة الحزب الجديد المناهض للرأسمالية الفرنسي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى