صفحات سورية

سوريا ما بعد الأسد

 

طرفة بغجاتي

ما من أحد بات يشك اليوم، سواء اعترف بذلك أم لزم الصمت أو لاذ بالإنكار، بأن تنحي بشار الأسد صار ضرورة حتميةً وذلك لأنه يتحمل بشكل شخصي مباشر المسؤولية عما حصل ويحصل في سوريا، منذ اندلاع الثورة، من قتل وتشريد وتخريب، فالتحدي الآن يكمن في إيجاد صيغة توافقية للخطوات التي يجب أن تتخذ فور تنحيه أو رحيله:

-1تفكيك أجهزة المخابرات والتخلص من النظام الأمني وإخلاء جميع فروع المخابرات من المعتقلين وإغلاقها بالشمع الأحمر من أجل عمليات التوثيق التي يمكن أن تبدأ فوراً من قبل لجان قضائية مختصة ومستقلة.

– 2تشكيل قيادة جديدة موحدة للجيش السوري الحر والنظامي من الضباط الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء السورية ولم يكن لهم دور في قمع الشعب أو في استخدام الجيش لأغراض مخابراتية وقمعية، إذ لا يمكن أن يُسمح بأي حال من الأحوال بوجود جيشين مسلحين أو أكثر على أرض سورية، ومن الواجب التعلم من التجربة الليبية والبدأ على الفور بجمع السلاح وتوثيقه وتسجيله.

3- تسمية قيادة مدنية مهمتها إدارة المرحلة الانتقالية، بقيادة متفق عليها كمعاذ الخطيب بعد عودته إلى سورية فور تنحي بشار الأسد، يمكن أن تضم فيمن تضم بعض أعضاء الحكومة الحالية أو الحكومات الســابقة المعروفين ببراءة ذممهم والموثوقين من قبل الشعب السوري، وهنا لا بد من توسيع تركيبة الإئتلاف الوطني ليضم الكــفاءات المطلوبة مِنَ الداخل السوري. مع وجود جدول زمني واضــح معلن لمهام هذه الحكومة الانتقالية.

4 – تزامن سقوط النظام بأركانه المخابراتية والأمنية مع الوقف الفوري لإطلاق النار، هذا الوقف يجب أن يكون ملزماً للجميع وهنا يكمن خطرٌ كبير وخاصة فيما يتعلق بعمليات الإنتقام أو رغبات الثأر من النظام السابق وأعوانه، فيجب أن يعلن إجماع وطني بأنه لا يحق لأحد مهما وصلت درجة التضحيات بأن يأخذ ثأره بيده، وليس لأحد سوى لسلطة القضاء الحق بأن يقوم بالخطوات اللازمة من إجراء تحقيقات إلى عمليات التوقيف أو إصدار أحكام سجن، وهنا يجب على الفور تحريم وتجريم كل أنواع التعذيب بغض النظر عن التهم الموجهة أو لإنتزاع إعترافات، إضافة إلى تشكيل قيادة سياسية وعسكرية تجمع بين جميع كتائب الجيش الحر والمجالس العسكرية، هذا طبعاً بعد إعلان المعارضة المسلحة تأييدها الكامل للقيادة المدنية. مع التعهد بالتعويض للمتضرين و الشهداء الذين ينتظرون وصول حقهم عبر القضاء قدر الإمكان (سواء ماديا أو تسهيلات حياتية أو دراسية إلخ.(

5 – أحد وظائف القيادة الأنتقالية وضع دستور للبلاد و طرحه لاستفتاء قبل انتخاب حكومة دائمة تفاديا للمطب المصري. ولعله في هذا المقام من المناسب اعتماد دستور 1950 بشكل مؤقت باعتباره اول و آخر دستور في سورية ما بعد الاستقلال تم اعتماده بإرادة شعبية و في أجواء حرة مع كل الملاحظات الممكنة و ملابسات الفترة التاريخية المعقدة في ذاك الوقت.

بعد كل هذا قد يأتي من يقول بأن هذا الكلام مجرد كلام نظري يصعب تطبيقه، لكننا نجيب بأن رسم الخطوات السياسية للمرحلة الآنية والمستقبلية يحتاج إلى إجماع قيادي في جميع المجالات الدينية والمذهبية والسياسية والإجتماعية والثقافية، وإن سورية بحاجة ماسة وفورية لعمليات إغاثية وعمليات إعادة بناء، وهي قبل كل شيء بحاجة إلى نظرة سياسية مستقبلية واستشرافية واعية بكل أنواع التحديات القادمة بعيداً عن العقلية الإقصائية التي كانت سائدة وبعيداً عن استدعاء نظرية المؤامرة، كما أنها تحتاج إلى سياسة خارجية متوازنة قادرة على الحؤول دون تحويل سورية إلى كرة يتم تجاذبها في الملاعب الإقليمية والطائفية والدولية.

إن قيادة المرحلة الإنتقالية يجب أن تكون نابعة من حضن سورية ومن رحم ثورتها، وما يدعو للتفاؤل هو مدى تقبل السوريين لمثل هذه الأفكار على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ومشاربهم السياسية، ولهذا السبب علينا التصرف بحكمة وبسرعة، فالدماء السورية تستحق من يدافع عنها.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى