صفحات العالم

سوريا.. معارضة الداخل


طارق الحميد

لا يملك المتابع للشأن السوري إلا التوقف أمام البيان الصادر عن مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في ريف دمشق بحضور قرابة 300 معارض بالداخل، حيث انطوى البيان على لغة لم يتعودها النظام الأسدي، ولم نتعود سماعها تصدر من مؤتمر يعقد داخل سوريا نفسها!

فقد جاء في البيان الختامي لمؤتمر المعارضة، الذي عقد في بلدة حلبون في ريف دمشق، أن «العامل الحاسم في حصول التغيير الوطني الديمقراطي بما يعنيه من إسقاط النظام الاستبدادي الأمني الفاسد هو استمرار الثورة السلمية للشعب السوري». وتابع البيان: «لذلك يدعو المؤتمر جميع القوى والفعاليات المشاركة وأصدقاءهم ومناصريهم إلى الاستمرار في الانخراط فيها وتقديم كل أشكال الدعم لها بما يساعد على استمرارها حتى تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة والديمقراطية».

فمن الصعب تصور أن النظام الأسدي قادر على تقبل مثل هذه اللغة، خصوصا عندما يتم وصف النظام بمؤتمر داخلي بعبارات مثل «الاستبدادي»، و«الفاسد»، وكذلك الدعوات للانضمام للثورة واستمرارها، والغريب بالطبع أن المؤتمر عقد داخل سوريا وصدر عنه ما صدر دون أن يهاجمه شبيحة النظام الأسدي، أو أن تقتحمه قوى الأمن الأسدية التي تقوم باقتحام حتى سرادق العزاء.

عليه، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: هل بات النظام الأسدي مرهقا وعاجزا عن ملاحقة المشاركين بمؤتمر المعارضة الداخلي، أم أن النظام سمح لهم بأن يجتمعوا من أجل تحقيق أهداف خاصة بالنظام الأسدي؟

أكثر المؤشرات ترجيحا هي أن النظام الأسدي تعمد غض النظر عن مؤتمر المعارضة الذي عقد بريف دمشق وخرج ببيان يدعو إلى استمرار الثورة، وضرورة إسقاط النظام الفاسد، والاستبدادي، بحسب البيان، من أجل إرسال رسالة إلى موسكو مفادها أن النظام الأسدي يمنح المعارضة السورية في الداخل فرصة للتحرك، عكس ما يقال عنه، وأنه لا يقمع ويقتل الجميع. فهل تساعد هذه الحيل النظام الأسدي من أجل كسب موقف موسكو؟ الإجابة السريعة هي لا، فنظام بشار الأسد أحرق كل الجسور مع الشعب السوري، والثورة السورية اليوم وصلت مرحلة اللاعودة، ولم يعد السوريون يخشون النظام الأسدي البوليسي الذي كان يخيف شباب سوريا قبل كبارها. وها هم طلاب المدارس الصغار يحرقون صور بشار الأسد، وكتب حزب البعث، ويرددون عبارات غير مسبوقة ولم يتوقع أحد أن يسمعها تردد علنا يوما ما في سوريا، بل إن السوريين أحرقوا حتى العلم الروسي.

لذا، فمهما تعددت مؤتمرات المعارضة السورية، داخليا أو خارجيا، وسواء كان للنظام الأسدي يد فيها أو لا، فإن الواقع يقول إن سوريا تغيرت، والتغيير فيها قادم، سواء اليوم أو غدا. فليس بوسع النظام الأسدي اليوم فعل الكثير، فمن يصدق أن نظام الحكم في سوريا يتحداه طلاب المدارس.. أمر كان يعد ضربا من ضروب الخيال، لكن هذا هو الواقع الذي أدركه الجميع باستثناء قلة قليلة داخل سوريا نفسها، وتحديدا النظام الأسدي وأتباعه. يبدو أنه يتعذر عليهم سماع أي شيء، وذلك نظرا لكثافة صوت الرصاص في محيطهم!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى