صفحات سوريةطيب تيزيني

سوريا.. ميثاق شرف للانطلاق/ د. طيب تيزيني

 

 

تظهر سوريا حالياً في صيغتين اثنتين متصارعتين، وفق الزوايا التي ينظر منها الناظرون إليها، وهؤلاء أنفسهم نصنفهم إلى ثلاثة أصناف، واحد يبحث عن إيقاف لشلال الدماء فيها، وآخر يحث الخطى باتجاه تحويل هذا الشلال إلى تسونامي لا يستكين إلا إذا رأى سوريا كلها كتلة من نار في حشاشتها الأخيرة، أما الصنف الأخير فيتمثل شعار «عليّ وعلى أعدائي يا رب!»! سواء تحدر هؤلاء من الداخل أو الخارج.

وقد اخترق ذلك كله شحنات وهبات ذوات مراجع متعددة، طائفية واثنية وعائلية ودينية ومذهبية وكل ما تكوّن في سوريا من «مزق التاريخ الآفلة إلا قليلاً».

يحدث ذلك منذ خمس سنين إلى أن اعتقد رجالها أنهم أخيراً أحكموا القبضة وحصلوا على حصصهم وكذلك على ودائعهم التاريخية، وما هي إلا لحظات حتى ينتهي مشهد التقاسم والارتزاق والضخ من مصادر العفونة التاريخية.

لنتصور أن إيقونة العالم تتحوَّل إلى خرائب بأيد داخلية وأخرى خارجية وثالثة كونية. وصدق القول: المال الداشر يعلّم الناس الحرامية واللصوصية، بيد أن اللوحة تلك لا تكمل إلا إذا لاحقنا إرهاصاتها الأخيرة والأخرى القادمة، وإن بما لا يوصف من الإمعان في محاولات تفكيكها وتبديدها.

إن الشعوب لا تفتقر لما تكنه في أعماقها التاريخية والراهنة المعيشة من إشارات مستقبل ما ربما كان قريباً جداً. وهكذا نجد أن الحلم الكبير الخفي يتحول إلى بذور ربيعية خضراء، تشي بقليل أو بكثير من الأمل، وتمثل ما اعتمل في تاريخ السوريين وضميرهم: إن العالم بدأ يشعر بالعار، إلا إذا قدم لسوريا ما قدمته له تحت عنوان: «الأبجدية» وهذه هي ما مكّنت البشر أن «يعوا» أنهم خلفوا وراءهم مرحلة الوحشية والعار.

لقد تعاظم تيار التضامن العالمي مع السوريين إلى أن بلغ لحظة الإمساك بسر الحياة و«الانتفاضة على الموت»، وهذا ما أنتج ما كان قد صار «إنساناً عاقلاً»، وهو ذلك الذي ظهر في الداخل السوري كما في الخارج العالمي، ممثلاً بالقوى الحية الوطنية العاملة على إعادة بناء سوريا الحرة والتنويرية. لقد راح رجال ونساء -وبينهم الأطفال- يحثون الخطى في التحفيز على إعادة بناء سوريا وفق «ثلاثية الحكمة البشرية»: أن ننجز إعادة البناء في الوقت المناسب الأسرع، وبالنوعية المثلى، وبالتكلفة المادية والمعنوية والمجتمعية الأقل. ذلك ما حفزنا على إعلان ما أعلناه في صحيفة الإعلام الحر «الاتحاد» بعد أن نشرناه مختصراً في وسائل إعلامية متعددة. من ذلك يبرز ما فعلناه في لقاء دعا إليه «دي ماستورا» في أحد فنادق دمشق، وكان ذلك قبل نصف سنة، وبحضور عدة مجموعات من الفاعلين الناشطين السوريين. لقد قدمنا باسم «مجلس الحكماء» مداخلة بعنوان «ميثاق شرف بين السوريين»، حاولنا أن نعبر عن صوت سوري ذي حضور.

أما المسائل التي أتينا عليها في ذلك «الميثاق»، فقد تجلت في النقاط التالية، وهي التي ظهرت في تصريح «دي ماستورا»، وإن بترتيب آخر ذي طابع صحفي. لقد ذكر السيد المذكور أن المسائل المعنية تتلخص في المطالب التالية: (1) الإفراج عن السجناء في السجون السورية أطفالاً ونساء ورجالاً. (2) إقصاء التفكير بأية محاولات لتقسيم سوريا. (3) التأكيد على ظهور الجيش السوري الوطني. (4) العمل على استعادة السوريين المهاجرين والمهجّرين إلى وطنهم. (5) الرفض الواضح للانتقام والثأرية في سياق التعامل بين السوريين. (6) رفض النزعات الطائفية بإطلاق. (7) العمل على إنتاج الدولة المؤسساتية القانونية. (8) التأكيد على الفعل السياسي بمثابته مسلكاً لحل القضايا الراهنة والأخرى المحتملة.

لقد ضبطنا، فيما نعتقد، أهم المسائل التي طرحها «دي ماستورا». ونود التأكيد على أن إتياننا سابقاً على ذلك فيما أتينا عليه في «ميثاق شرف بين السوريين»، إنما كان ضبطاً لما يفكر فيه السوريون الطامحون إلى الخروج من المأساة. ومع ذلك يمكن القول إن ما قدمناه منذ نصف العام لاشك أنه بحاجة إلى مراجعة وتعميق وتوسيع والباب مفتوح أمام حوار ديمقراطي، وأن تلتقي العقول الحرة على بناء عالم خال من الاستبداد والشمولية وإذلال البشر.

الاتحاد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى