صفحات العالم

سوريا نحو المجهول


بركات شلاتوة

في ظل تصاعد موجة العنف في سوريا، وحديث التقارير الغربية عن تخلي المعارضة شيئاً فشيئاً عن حراكها السلمي الهادف لإسقاط النظام، فإن الأزمة تتّجه نحو المجهول وتسير في طريق قد تكون نهايته “العرقنة” .

ما تحمله التقارير الواردة من سوريا لا يبشّر بخير في ظل معارضة تزداد تسلّحاً وعدداً يوما بعد يوم، وفي ظل عنف متبادل يزداد اتساعاً . فبعد أن انطلقت الاحتجاجات في مارس/آذار الماضي كانت تؤكد تصميمها على تحقيق أهدافها وفي الوقت ذاته كان الشعار الذي ردده الجميع “سلمية . . سلمية”، أما اليوم فالملاحظ أن الاحتجاجات بطابعها الشعبي قاربت على الانكفاء، فيما تصاعدت الهجمات المسلحة والتفجيرات التي تبنتها المعارضة نهجاً، في مقابل الحلول الأمنية التي اعتبرتها الحكومة الوسيلة المناسبة لوقف الاحتجاجات . وأمام هذه الرؤية وتلك ابتعد المواطن السوري العادي بعض الشيء عن الحراك الميداني لأنه لم يكن يتصور أن تصل البلاد إلى هذه النقطة التي باتت تهدّد الجميع وأفقدت الاحتجاجات طابعها وخرجت عن سيطرة المحتجين لتتسلمها أطراف خارجية صاحبة مصلحة في رؤية سوريا ضعيفة وممزقة، فعملت على تبني الطابع العنفي وسلحت المعارضة واتجهت لتدويل الملف السوري .

هنا يجب التأكيد أن تونس ومصر تخلصتا من أعتى الدكتاتوريات وأقواها من دون إطلاق رصاصة واحدة من قبل المعارضين أو الثوار، حيث ركزت الاحتجاجات على الطابع السلمي ورفض العسكرة أو العنف . وبذلك يبرز دور المعارضة الحقيقية التي يهمها الوطن والحفاظ على وحدة ترابه قبل سعيها للوصول إلى السلطة، لأن الثائر الحقيقي لا يجرؤ على قطف زهرة واحدة من بستان في وطنه لأنه حريص على كل شبر من الوطن ويعتبره جزءاً منه، فكيف بمن يلجأ للتفجيرات العمياء والتخريب الذي يمس في الغالب مدنيين، وذلك يولّد مزيداً من العنف والعنف المضاد .

الاحتجاجات السلمية تعري النظام وتفضحه وتؤتي أكلها بشكل أسرع، وكما أن القبضة الأمنية للنظام تسرّع في سقوطه فإن المعارضة المسلحة تعطي النظام ذريعة لقمع المعارضة والتعامل مع الملف بطابع أمني بحت .

وما يثير الانتباه هو الحرص الذي تبديه المعارضة السورية في الداخل على الابتعاد عن العنف والإبقاء على الطابع السلمي ورفض التدخل الأجنبي، فيما تنادي المعارضة في الخارج صباحاً مساء بضرورة التدخل الدولي، مع أنه تم تجريب التدخل الخارجي وويلاته على البلاد، حيث يحصد آلاف المدنيين الأبرياء ويتركها كومة من الركام ويدير ظهره لها .

حرصاً على سوريا ووحدتها وأمنها ورفعة مواطنيها وتجنيبهم ويلات إطباق أنياب فكي الاستعمار عليها من جديد، يتطلب من النظام أولاً أن يعي أن زمن السكوت ولّى إلى غير رجعة، وأن الشعوب لن تقبل إلا بالعيش بحرية وكرامة في وطنها، ومن المعارضة أن تعود إلى سلمية حراكها، وأن تجرّب الحوار وتختبر ما في جعبة النظام، وعليها أن تعي أن الغرب يبحث عن مصالحه فقط، ولا تهمه سوريا ولا السوريين، وها هو العراق “أثراً بعد عين” بفعل الاحتلال .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى