صفحات العالم

سوريا نحو النمط الكوري الشمالي/ ساطع نور الدين

 

 

كتب الزميل عمر قدور وآخرون من مثقفي المعارضة السورية ورموزها في الذكرى السابعة على إندلاع الثورة السورية ، انه ربما آن الاوان للتفكير في سبل إعلان الثورة  الثانية على نظام الرئيس بشار الاسد، في شكلها وشعارها وإدارتها وقيادتها ..وفي موعدها، الذي لا يبدو لمعارضين كثيرين انه سيكون بعيداً.

الفكرة تلح هذه الايام، على المعارضة السورية، التي يشعر مفكروها وروادها أنهم فقدوا الارض والشعب والقضية، ولم يبق لهم سوى الشتات، حيث لا مؤسسات تمثل ، ولا هيئات تجمع، ولا مشاورات تطرح السؤال الحرج: كيف ولماذا إنتهت واحدة من أهم ثورات الربيع العربي على واحد من أسوأ الدكتاتوريات العربية، الى هذه الخاتمة البائسة.

سيرة الثورة التي تستعاد الان، صارت مملة: الإنطلاقة السلمية المدنية الوطنية، وبعدها العسكرة الالزامية، ثم الاسلمة والشرذمة الخليجية، وصولا الى دخول الجيشين الروسي والإيراني، بكامل أسلحتهما الجوية والبحرية والبرية في معركة الدفاع عن نظام حصين، يستند الى وظيفة اقليمية ودولية لا شك في أهميتها، هددته حركة شعبية فوضوية، كان يسهل إختراقها وتمزيقها وتشويه سمعتها.

غامر البعض بالتشكيك في البداية وما إذا كانت تستحق هذا الدم والدمار والخراب والتهجير. وكأن ثمة من إتخذ القرار بإنزال السوريين الى الساحات والشوارع، للمطالبة بالاصلاح، ثم التغيير. وبالغ البعض الاخر في تعديل القراءات والولاءات، بناء على معطيات داخلية مأساوية، وعلى ضوابط خارجية قدمت على الدوام بإعتبارها حاسمة ونهائية.

لكن الاهم ان هناك محاولة جدية لإستخلاص الدروس والعبر، برغم أنها لم تصل حتى الآن الى نتائج واضحة، ولم تبدد الجنوح المزدوج، إما نحو إعلان الهزيمة الكاملة والتسليم السوري التام بالعودة الحتمية الى كنف النظام، أو نحو إدعاء النكسة المؤقتة والعابرة التي يمكن لمسارها أن ينقلب رأساً على عقب، إستناداً الى أوهام مثل إمكان هزيمة روسيا وإيران معاً، بواسطة قوات أميركية أو غربية ما زال كثيرون من السوريين يترقبون نزولها بين لحظة وأخرى على الارض السورية.

خلاصة السنوات السبع الماضية هي أن الشرخ بين النظام وبين أكثر من نصف السوريين صار أعمق وأخطر، كما أن التقارب والتناغم بين حلفاء النظام وخصومه الخارجيين بات ظاهراً للعيان، أكثر من أي وقت مضى، بما يلغي الاعتراف السابق حتى بوجود معارضة سورية، وإئتلافات وهيئات وتشكيلات كانت حتى العام الفائت ذات شرعية وصدقية لا ينكرهما أحد.. فإذا هي اليوم بلا اي وزن ولا أي دور.

هي من علامات الهزيمة أمام الزحف الروسي والايراني الساحق، والتي لا بد من الاعتراف بها للبناء عليها والسعي الى مواجهتها، من دون إغفال حقيقة جوهرية، هي أن المبادرة الكاملة أصبحت من الان فصاعداً في يد النظام والروس والايرانيين. خطواتهم المقبلة هي التي ستحدد وحدها مسار الحدث السوري، ومآل “المصالحة” المنشودة من قبلهم..والتي قد تختلف شروطها عن كل ما هو سائد على الارض الان.

الشائع هو ان النظام وحلفاءه الروس والايرانيين، بدأوا في هندسة الديموغرافيا السورية، بناء على الوقائع التي أفرزتها الحرب، وأنتجها النصر العسكري الأخير. بعد ذلك سيأتي دور الهندسة السياسية للسكان المقيمين او الباقين او العائدين، بما يلبي شروط النظام المكلّف من قبل موسكو وطهران بإدارة شؤون المجتمع السوري..وفق مبدأ العقاب الشديد لجميع الذين تظاهروا وتمردوا وحملوا السلاح على الدولة، وهو ما يؤسس لقمع لم يسبق له مثيل في التاريخ السوري الحديث.

وفي هذه الحالة، لن يبقى من “القضية السورية” سوى المهجر الذي صار بالفعل عنوانها الرئيسي، وربما الوحيد، بعدما دفع الداخل السوري الضريبة مضاعفة، جراء عنف النظام وحلفائه من جهة، وتغول مقاتليه الاسلاميين الذين يتساقطون الآن واحداً تلو الاخر، من دون أسف، إلا على المدنيين الذين وقعوا في مرمى النيران المتبادلة.

الثورة الثانية ليست على الأبواب، ولن تكون بسهولة وعفوية الثورة الاولى. فالهجرة السورية التي شملت ما يقرب من نصف السكان، يمكن ان تتحول الى ثقافة وأدب وحنين وبكاء على الاطلال، إذا ما إشتد بطش النظام من جهة، وتعمق إندماج المهاجرين في بلدان المهجر، كما هو حاصل الآن وبشكل يعيد الى الاذهان سيرة الهجرة اللبنانية الاولى.

الثورة الثانية محكومة أولاً بإنتظار أن يفرغ النظام والروس والايرانيون من تركيب سوريا على النمط الكوري الشمالي.. الذي لن يمانع الاميركيون والاوروبيون الغربيون في التحاور والتعايش معه.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى