صفحات العالم

سوريا: نهاية البداية

 

بهجت قرني

 هناك لغز كبير في الأزمة السورية، فقد سقط النظام منذ فترة، بمعنى أنه فقد شرعية الحكم، ومع ذلك يستمر بشار جسدياً في السلطة، فلماذا؟ وما هي انعكاسات هذه الأزمة على السوريين أنفسهم، وعلى المنطقة العربية بأسرها؟

في الواقع استمرار الأزمة السورية -حتى بعد انتهاء حكم الأسد قريباً- تدفعنا لتغيير التعبير العربي الدارج، فلنتكلم عن نهاية البداية بدلاً من الكلام عن بداية النهاية. باختصار شديد، إن نهاية نظام الأسد لن تكون إعلاناً عن نهاية الأزمة السورية، بل مرحلة واحدة منها فقط، وقد تكون الأسهل. أما الأصعب فسوف يأتي بعد زوال الحكم الدكتاتوري الحالي الذي أصبح دموياً أكثر فأكثر.

بداية اللغز هي لماذا يستمر النظام الحاكم لعامين وحتى الآن، رغم الحرب الأهلية الضروس التي تنتشر من مكان إلى آخر في هذا البلد؟ فقدت سوريا حتى الآن أكثر من 70 ألف قتيل، وبالأمس فقط قُتل نحو 132 آخرين، بالرغم من عدم دقة المعلومات أو صدقيتها. إلى الآن الأزمة لو استمرت بهذه الوتيرة، فلن يبقى الكثير من السوريين على طريق السلامة الجسدية والنفسية.

هناك اللاجئون والنازحون، والذين يزيد عددهم الآن على مليون بكثير، ويعيشون في الخارج والداخل في حياة بؤس، من تشرد وفقر واغتصاب. والسؤال إذن: لماذا يستطيع النظام البقاء رغم كل هذه الكوارث؟ هناك على الأقل ثلاثة أسباب رئيسية لاستمرار نظام فقد شرعيته منذ فترة طويلة:

1- انقسام المعارضة: هناك في الواقع الآن في علم السياسة مقولة بدأت تنتشر، وتؤكد أن بقاء النظم السلطوية غير الشرعية في الحكم، لا يعود إلى قوة هذه النظم التي فقدت قواعدها الشعبية، بقدر ما يعود إلى ضعف المعارضة وتشرذمها، وبالتالي غيابها. مثل هذا الغياب للمعارضة ذات الصدقية يؤدي إلى عدم وجود بديل للنظام السلطوي، وبالتالي فإن الجماهير لا يكون أمامها أي خيار إلا الإذعان للحكم والخوف من بطشه.

2- منذ بداية المجلس الانتقالي السوري قبل نحو عامين، والمشاكل داخله مستمرة بل في تزايد. الكثير من الأعضاء، على المستوى الشخصي -وأعرف بعضهم عن قرب- ممتازون، لكن لا يبدو أن المعارضة قد وحدت صفوفها، واستقرت على الأهداف والآليات التي تجعلها تعمل معاً وبسلاسة. يقول بعض أعضاء هذه المعارضة إن سبب ضعفها هو عدم وجود التأييد الخارجي. ورغم صحة هذه الشكوى جزئياً، وجزئياً فقط، فإن التأييد الخارجي يأتي فقط لتدعيم التجذر الداخلي.

3- الدور الإيراني (وكذلك الدعم الروسي والتردد الصيني). وفي الواقع، فإن أهم ما يميز ما يحدث في سوريا، مقارنةً بما حدث في كل من ليبيا وتونس هو تأثير أي تغيير في الوضع السوري الداخلي على التحالفات الإقليمية. وباختصار شديد، فإن نظام بشار هو أكبر حليف لإيران، وهو وسيلتها المثلى لتمرير السلاح ووسائل التأييد الأخرى إلى «حزب الله» في لبنان. بما أن النظام الإيراني شبه محاصر على المستوى الدولي والإقليمي، فإنه لا يستطيع أن يفقد حليفاً قوياً وفعالاً مثل النظام السوري. وبالنسبة لطهران، فإن تكاليف مثل هذه الخسارة عالية جداً على جميع المستويات، الإقليمي والدولي وحتى الداخلي، ولذلك نجد طهران مستميتة من أجل ضمان بقاء نظام الأسد. وتجد إيران الدعم لذلك الموقف -بشكل مباشر أو غير مباشر- من موسكو، وحتى من بكين أيضاً. فروسيا تجد أنه بعد الأزمة الليبية يحاول الغرب الآن اللعب منفرداً للسيطرة على المنطقة العربية، بما في ذلك الصفقات الاقتصادية وصفقات إعادة الإعمار بعد نهاية الحرب الأهلية، ولذلك فهي تود أن تكون جزءاً من اللعبة. وبينما تشارك بكين موسكو في هذا المنظور، إلا أنها تود أيضاً أن تعيق استتباب أية قاعدة لتغيير النظام السياسي من الخارج، فقد تستخدم هذه السابقة ضدها في وقت ما.

4- مشاكل دول «الربيع العربي»: في علم الاقتصاد هناك ما يسمى الأثر الإيجابي للتقليد، بمعنى أنه في حال نجاح أية تجربة، يتم تقليدها من قبل آخرين وعلى الفور. وقد حدث هذا في مصر فوراً، بعد سقوط نظام الحكم في تونس في بداية سنة 2011، ثم امتد أثر التقليد الإيجابي إلى ليبيا واليمن. أما الآن فالوضع يختلف، بسبب المشاكل المتراكمة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن. بمعنى أن ثمة صورة سلبية الآن حول «الربيع العربي» واعتقاد متزايد بأنه لا يحل المشاكل، بل قد يؤدي إلى سلطوية جديدة من جانب الإسلاميين، بالإضافة إلى انتشار الفوضى وعدم الأمن، وهروب المستثمرين، وانقطاع الحركة السياحية، والتدهور الاقتصادي عامة، بل حتى زيادة مصاعب الحياة اليومية ولو لفترة مؤقتة، بمعنى آخر؛ لم تعد نتائج «الربيع العربي» تشكل حافزاً على الالتحاق به. لكن التاريخ يعلمنا أيضاً أن بقاء الحال من المحال، فلابد أن تنتصر إرادة الشعب إذا وُجِد قادة مؤهلون لتحقيق تلك الإرادة، وفي هذه الحالة يمكن الحديث فعلاً عن بداية حل للأزمة السورية التي قد تأخذ من الوقت والجهد الكثير الكثير.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى