صفحات سورية

سوريا ; هل تنجح أمريكا بتلوين الحراك الثوري ؟


سميح أبوصالح

بات معروفا وجود مؤسسات غربية لتدريب نشطاء الأنتفاضات والحراكات الجماهيرية على اساليب العمل التظاهري من توزيع مناشير وتنظيم خلايا نشطة لاستنفار الناس للتظاهر الى الفيس بوك والاعتصامات والمشافي الميدانية وكيفية التعامل مع الاعلام والجيش وغيرها .. من هذه المؤسسات مثلا فريدوم هاوس ومركز البرت اينشتاين والاكاديمية الديمقراطية وما إلى ذلك .. ومن أبرز المتدربين فيها شخصيات وحركات ديمقراطية مصرية شاركت بثورة 25 يناير .. وهو ما يفسر محاولات المجلس العسكري المصري قطع الهواء عن الجمعيات “غير الحكومية” هذه العاملة في مصر تحت غطاء حقوق الأنسان ونشر الديمقراطية ، لكنه يصطدم بدعم الأعلام “الديمقراطي” لها بعدما اكتسح هو بدوره شعبية المصريين بدعمه للثورة ، وباتت أية خطوة يتخذها المجلس ضد هذه المنظمات تفسر على أنها من باب الثورة المضادة لنظام مبارك . لكن لنكن منصفين ينبغي التنويه إلى أن أي نشاط لجمعيات ومنظمات من هذا النوع يستحيل لها أن تأتي بنتائج مرغوبة ما لم يوازيها وجود أرض خصبة في المجتمع من غضب وسخط على السلطة ، وبالتالي قيام ثورة عارمة تشارك فيها ، أو وجود عامل ضغط خارجي قوي وجدي من دول وتنظيمات فاعلة ليس بكونها مجرد خارج إعلامي ـ اقتصادي ـ سياسي بل بالأخص بقدرتها على التأثير داخليا عبر حلفاء وأصدقاء وعملاء ومؤسسات وآليات مؤثرة ، ويكفي بهذا الخصوص استذكار النشاط الطويل لحركة “كفاية” شبه منفردة دون طائل ، ودون استقطاب يذكر للجماهير ..

كانت مؤسسات تدريس العمل من أجل الديمقراطية قد اقيمت منذ الثمانينيات بهدف “دمقرطة” الاتحاد السوفييتي بداية ، ومع وجود قيادة ساذجة لا مبالية وبعضها عميل ، استطاع الغرب المشاركة في تفتيت الاتحاد وبالطبع مع وجود أرضية خصبة وفترة تمهيدية منذ 1985 .. ثم كانت مرحلة تكريس استقلاليات جمهوريات السوفييت السابقة في التسعينيات . ولمواجهة خطر إستعادة توحيدها بعد تحسن أوضاعها واكتمال قوى بعضها الاقتصادية وبالأخص ـ روسيا ، شرع الغرب بإعادة ترتيب الأمور في الأماكن التي ما زال بإمكانه ممارسة تأثيره بها ، فكانت ثورات مخملية بطريقة “جين شارب” في اوكرانيا وجورجيا ومؤخرا طاجيكستان وقرغيزستان ..هذا ما نجح من المحاولات ، ومنها ما فشل مثل الصين أواخر الثمانينيات ، ولبنان ـ ثورة الارز ، وايران ـ الثورة الخضراء . ومع اختلاف الألوان التي اتخذت كرموز للثورات ، كالبرتقالي للثورة الأوكرانية والأبيض للصينية التي فشلت .. إلا أن ما يجمعها جميعا ، لون فاقع لتوجهها السياسي لتكون تابعة وألعوبة بأيدي الأميركان وبلباس ديمقراطي تعددي جذاب . ولعل أبرز لاعبيها سااكاشفيلي في جورجيا ويوشينكو الرئيس السابق لأوكرانيا ، …وعلى فكرة كل هذه التسميات ..مخملية ، برتقالية ، خضراء ..ليست بالصدفة ، بل تطلق قبل البدء بها الى جانب مميزات كثيرة مشتركة لا يعطيها الكثيرون اية اهمية متل ; شرائط أو اعلام موحدة ، قمصان موحدة للنشطاء ، الرقص والدبكة اثناء الاعتصامات وفعاليات اخرى اغلبها ليس مصادفة ـ على فكرة هل رأيت -عزيزي القارئ – اليمني الذي يغني راب (rap) ويتراقص بلباسه التقليدي وخنجره وحطته في أحد الاعتصامات ؟.. يعني يفقعك من الضحك ، وشر البلية ما يضحك فعلا – أحد الأدلة عن التوجه الذي تريده بعض القوى للثورة . والثورات الملونة يغرسونها عنوة في الحراك الجماهيري ، فإما أن تحقق أهدافها الخاصة وتربح الرهان بقواها الخاصة ومساعدة الخارج فتكون نتائجها التبعية التامة لهذا الخارج ، والمثال الصارخ لهذا الانحراف – “ثورة” سااكاشفيلي المخملية ، وإما أن يفشل نشطاؤها في السيطرة الكلية وابتلاع كامل السلطة بعد الثورة لأنهم لا يشكلون سوى نقطة في بحر الجماهير الثائرة ، فيبقوا على الهامش ولكن سلطتهم المعنوية ـ الأعلامية تحتل زاوية هامة في لوحة السياسة المحلية بعد الثورة ، والمثال الأقرب في مصر .

يلاحظ المراقب المدقق ملاحظة هامة يمكن إيجازها بأن ثورات “شارب” تنجح في الدول التي هي أصلا تدور في الفلك الأمريكي ..ربما يخطر بالبال سؤال.. ولماذا يشاركون في تغيير نظام هو بالأصل تابع لهم ؟؟ – لأنه تابع مثلا بنسبة 70 بالمئة ويريدونه أكثر تبعية وطاعة، والأمثلة كثيرة ان كان على مستوى دولة أو على مستوى قيادات أحزاب ; تخلصوا من عرفات ليأتي الأكثر تنازلا وتعاونا ـ أبومازن .. في مصر اغتيل السادات وبأيدي مبارك كما بات مثبتا ، بمباركة ودعم أمريكا ، ونظام مبارك روج لألصاقها بالأخوان المسلمين وهم من جهتهم روجوا لأنفسهم العمل البطولي آنذاك .. في لبنان اغتيل رفيق الحريري لينصبوا مكانه سعد مع أنه ليس الأبن الأكبر الذي يفترض به أن يلبسوه عباءة مشيخة الزعامة تماشيا مع تقاليد الزعامات التقليدية والحديثة والمشيخات الزمنية منها والروحية في لبنان ، لبنان البكوات والآغوات والأمراء والشيوخ من زعماء الطوائف .. وفي جورجيا كان شيفاردنادزه المعتدل والمتنازل دوما مع رفيقه غورباتشوف لصالح امريكا ، لكنه أطيح به بالثورة المخملية لمن هو أكثر انبطاحا .. وفي اوكرانيا نفس القصة ..

والحراك الملون بحد ذاته ليس من الصعب استحداثه بوجود غضب وامتعاض من الحكومات وهو بالطبع حالة يسهل تواجدها وتفشيها في البلدان النامية على خلفية الاقتصاد الضعيف والسياسات الفاشلة وتفشي الفساد والفقر والاستبداد ..الحراك وجه واحد من العملة . فالوجه الثاني المكمل – والذي يجيب على تساؤل نجاح الحراك المطعم بالثورة الملونة في الدول الموالية أصلا لأمريكا دون غيرها – يتمثل في الانقسام المسبق الاتفاق عليه مع أعوانهم من داخل النظام عن السلطة وانشقاق شخصيات ومؤسسات بمواقع مفصلية من قبيل قيادات عسكرية ـ وهي الأهم وهي بالتالي التي ترجح كفة الثورة ولا شيء آخر ـ ثم تأتي انشقاقات مسؤولين كبار وشخصيات او مؤسسات موالية لتكمل الصورة الإعلامية وشرعنة الحركة التي ما هي سوى انقلاب بواقع الأمر ..

هذا العنصر الأنقلابي الأكثر حسما والمفترض فيه قلب الموازين في أي حراك جماهيري ما دون الثورة الشعبية ، هو بالذات ما لا يتوفر في الحالة السورية . واستباقا لأي استنتاج ليس بمحله ، أود التأكيد على الأعتراف بتعاطفي مع الحراك الثوري والذي شابه تشويه كبير من أطراف تعلن عن دعمها له بينما هي مشاركة للنظام في تضييق الخناق عليه بتسليحه ودفعها لشبيحتها من السلفيين للتصعيد مقابل شبيحة النظام ، وحرف النضال عن مساره المدني ، ولا عجب فأهداف الخارج تتراوح من تسليم السلطة لعملاء تابعين كهدف أسمى ، إلى إبقاء النظام ولكن ليس بسياسته السابقة مع الحرص على إضعافه لأقصى الدرجات والأطالة قدر الأمكان لحالة الأستنزاف القائمة .. وعودة إلى العنصر الأنقلابي الذي لا يتوفر، فالغرب الذي عمل في السابق من السنين ويعمل على قلب النظام السوري ، أو على الأقل إضعافه وإجباره على تغيير وجهته السياسية غير الطيعة له في الخطوط الاستراتيجية العريضة ، يطيل هذا الغرب حالة الأستنزاف على أمل إحداث أمر واحد من إثنين ; الدفع نحو انشقاق كبير ليس بوسعه تحريكه بنفسه كما في حالات أخرى، أو إرغام النظام على تحويل سياسته . ومن أكبر فوائد إطالة الوضع التصادمي الحالي بالنسبة للخارج ، دفع قيادات المعارضة إلى المزيد والمزيد من التنازلات ; فمع الاتجاه نحو الاقتتال المسلح وتوسيع رقعته وانتشاره ، تصاعد سقف التنازلات من رفض التدخل العسكري بداية بأي شكل ، الى القبول بأي تدخل عسكري .. ومن الحرص على سلمية التظاهر وتوكيد علمانية الحراك ، إلى تبرير التسلح وتشجيع العمل المسلح ، وغض الطرف عن/ بل والأنجراف مع الخطاب الطائفي السلفي أحيانا ..

الثورة لا يمكن لها الأستمرار لسنوات ، فهي إن بدأت تكون جارفة بكل مناحي المؤسسات والفئات ولا تقتصر على بعض المدن ونسبة معينة من الجماهير .. أما الترويج الملح لها والأصرار على استمراريتها بوسائل ميكيافيللية كالتلفيق واختلاق الأحداث أحيانا وبالقوة والعافية وإجبار الناس على إغلاق محلاتهم بقوة السلاح أحيانا أخرى ومشاركة النظام قتل الأبرياء من تابعيه وتهديد واغتيال حتى الوسطيين الذين يدعون للحوار لأنهم لا يخدمون هدف التأجيج المتصاعد ضد النظام ببعض الحالات ، إضافة إلى نسف سكك الحديد وأنابيب البترول ، مهما كان تبريرها ، وحتى حرق المؤسسات الحكومية … فكلها أساليب لا يمكن لها أن تستقطب غالبية المواطنين ويستحيل أن تكون محض صدفة وبلحظة حنق وفورة .. بل تتعدى بكثير هذا الخط البريء ، وهي لاتجدي نفعا ولا تجعل من الحراك الجماهيري ثورة جماهيرية حقا . إن أكثر من نصف الشعب على الأقل لم ينتفض ومؤسسته الشعبية الأكثر عددا وذات القوة الأولى والحاسمة لم تثور ـ وأعني بها الجيش ـ ومهما يكن النظام قويا متمكنا يعاقب ويخيف ويقمع موظفيه ومجندي جيشه وضباطه ، فهو لن يقو على الوقوف بوجه زخم وزحف ثورة شعبية شاملة حقيقية في حال قيامها .

هذا الأتجاه إن حقق شيئا ، فسيحقق الأنحراف للفوضى والدموية على خلفية التفوق الساحق لأجهزة النظام في هذا الميدان بالذات .. من تسليح ومعدات إلى عديد قوات تتكاتف حوله وتشتد سواعدها لتقبض بإحكام أقوى على سلاحها كلما انطلقت في وجوههم رصاصة …ومع تنازلات المعارضة المستمرة ، فهل سينقلب الحراك إلى ثورة ملونة تابعة ؟ بعد أن يتم تلوين ما لم يتلون لحد الآن بدماء المزيد من السوريين ؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى