صفحات سوريةكمال اللبواني

سوريا: هل يسقط النظام أم تسقط الدولة؟


د. كمال اللبواني

هناك ثلاثة احتمالات لمستقبل سوريا: أولها يبدو أن حظه قليل في التحقق، هو سقوط النظام من دون خراب الدولة والعقد الوطني، ومــــن دون حرب أهلية أو تقسيم أو تدخل أجنبي أو حروب بالواسطة.. فالمسألة لم تعــــد في الاختيار بين حل سلمي وحل غير سلمي، بالطريقة التي ينشغل بها المجتمع الدولي هذه الأيام، لأنه أي المجتمـــع الدولي متأخر في فهم الوضع في سورية ستة أشهر على الأقل.

فالمطروح على سوريا فيه احتمالان ليس بيدها القرار فيهما، هما سقوط الدولة والنظام معا، تتبعه مرحلة (قد تطول وقد تقصر) من الفوضى وربما الانقسام الطائفي والقومي وداخل الطائفي والقومي .. لكن هذا يحدث إما من دون تدخل أجنبي عسكري مباشر، ومن دون حرب إقليمية، أو حرب بالوكالة على الأرض السورية، وهذا أيضـــــا احتمال قليل الحظ بكل أسف، أو مع تدخل دولي وحرب أهلية وإقليميةمعا وهو الاحتمال المحظــــوظ ..فالسؤال اليوم هل يستطيع المجتمع الدولي تجنـــب حرب بالواسطة، أو تدخل عسكري مباشر في الشأن السوري، بعد كل ما جرى وبعد إهماله القضية سنة ونصف، وبعد فشل كل محاولات الحل أو الحسم؟أم يفشل (كما نتوقع) المجتمع الدولي في تجنب السقوط في مستنقع الصراع الذي ساهم هو في ملئه وتحضيره بواسطة القراءات الخاطئة والمهل والتردد والمبادرات الفاقدة لأدوات التنفيذ، أو الدعم غير المجدي، أو محاولات فرضقيادات موالية غير فاعلة على المعارضة، للتحكم بالثورة أو لجمها وحرمانها من قادتها الحقيقيين؟.

السؤال موجه أساسا لحلفاء النظام الذين يراقبون مشهد سقوطه، رغم دعمهم الهــــــائل له.هل يستطيعون تحمل مشهد سقوطه المدوي هذا، وهل يقبلون خراب برامجهم ومخططاتهم في المنطقة، وبالتالي زعزعة أركان أنظمة ومنظمات متحالفة مع النظام السوري؟ والتي هي أيضا دخلت كأدوات في خدمة النفوذ الروسي والصيني، في سياق حربهما الباردة الجديدة مع الغرب، الغرب الذي دخل هو الآخر في أزمة اقتصادية مستمرة ومزمنة، بسبب استمرار تقليص نفوذه، وتدني قدرته على الإفادة من اقتصادات الآخرين، وحاجته إلى تقليص حجم استهلاكه باستمرار.

كما أن هذا السؤال موجه للغرب وإسرائيل أيضا، هل تستطيع مقاومة شهية توجيه ضربة عسكرية للمحور الإيراني بعد تدهور حال الجيش السوري، وانشغاله في حرب إبادة ضد شعبه في كل بقاع سوريا وبكل صنوف الأسلحة؟. وهل يستطيع الأكراد كبت رغباتهم بالاستقلال عن العروبة في هذا الظرف المناسب وسط انشغال العرب والمنطقة بحرب (سنية – شيعية) مفتعلة ومحرضة ؟. وهل تركيا تستطيع تحمل كل ذلك، وما هو رد فعل السعودية والخليج العربي.. وهل سيقف الناتو على الحياد، وهو يرى كل هذا يحدث في منطقة نفوذه ومصالحه، وهو الذي لم يقبل سقوط نظام الأسد قبلتأمين بديل مناسب له، فكيف إذا سقطت المنطقة كلها في دائرة النفوذ الشرقي، أو في الفوضى وبقيتأسلحة الجيش الثقيلة والغير تقليدية، أو جاء إلى السلطة من لا يتلقى الأوامر من الغرب؟ وما مدى عمق وأهمية صراع النفط والغاز في الشرق العربي الذي يريد الديمقراطية والاستقلال؟.

لقد حاول النظام السوري كل ما يستطيع لتحويل الثورة الشعبية ضده كنظام مستبد فاسد، إلى صراع مجتمعي وحرب أهلية، ثم حاول توريط الدول الحليفة له في التدخل عسكريا لصالحه، وحاول استفزاز أكثر من دولة لكي يبرر لحلفائه إرسال قواتهم الجاهزة والمعدة منذ زمن لهذه المهمة .. وبعكس إرادتهجرى في جنــــيف اتفاق مبدئي على محاصرة الأزمة داخل الحدود السورية، لكن هذا الاتفاق سرعان ما انهار بسبب فشل النظام في كسب المعركة، مما فتح المنطقة كلها أمام احتمالات حــــرب تميل نحو التوسع .. وهذا ما أجبر دول الغرب على اتخاذ قرارها بالحسم بعد أن كان قرارها الاستمرار بالتريث والمماطلة .. الحسم عبر الدعم غير المباشر للمعارضة السورية، التي صارت مسلحة بعد دمار المدن والأحياء والتجمعات، وتهجير السكان وتشريدهم، وبعد ذلك عبر الدعم المباشر لو لزم الأمر، وذلك تبعا لرد فعل دول المعسكر الموالي للنظام..فسقوط الأسد أو بقاءه لا قيمة له، إلا بمقدار ما يعنيه من سقوط لمشروع التحالف المكون من طوائف ومذاهب ومليشيات ودول قريبة وبعيدة.

والسؤال الأهم: طالما أن إسرائيل هي اللاعب الخفي القوي في أوراق المنطقة، وهي ذات تأثير كبير على القرار الدولي الغربي والشرقي معا في هذه الأيام، هل هي مستفيدة من سقوط النظام أم هي تسعى وتبرمج لسقوط الدولة معه إذا كان لا بد من سقوطه؟ وهل هي فعلا وعلى المدى البعيد ذات مصلحة بالفوضى والتقسيم والحروب والنزاعات في المنطقة؟ ..أم هي حسابات متسرعة وقصيرة النظرتعكس حالة غياب مشــروع سلام حضاري قابل للتنفيذ في المنطقة؟.

كل المؤشرات تتجه نحو تزايد احتمال حصول حرب إقليمية وعالمية محدودة، تشعلها الثورة السورية التي خلطت الأوراق، وإصرار الشعب السوري الغير مسبوق، الذي حطم كل التفاهمات والتوازنات، ستكون هذه الحرب متزامنة ومترافقة مع حرب أهلية في سورية، وربما في أكثر من دولة في المنطقة معا.

من وجهة نظر النظام ليس لديه خيار سوى تدمير الشعب والجيش والتقلص نحو دولة طائفية ساحبا معه نخبة الجيش الطائفي الذي يحتفظ به، وكذلك الاستمرار فيمحاولة بناء خطوط انفصاله عن محيطه، وكذلك خطتواصله الجغرافي مع حلفائه في لبنان والعراق عبر ارتكاب المجازر والتهجير واستبدال السكان (خاصة في حمص وريفها)، وكذلك استمراره في تشجيع الكرد على الانقلاب على أخوتهم العرب وإعلان الانقسام.

النظام ومن معه ماضون في تقتيل الناس، وتدمير كل شيء في سياق دفاعهم عن حلفهم الشيطاني، وهم لا حدود لوحشيتهم، ولديهم القدرة على تبرير كل جرائمهم براحة ضمير مطلقة.. نحن من وجهة نظرنا وكما نقرأ حال الشعب السوري ماضون حتى النهاية في إسقاط هذا النظام الشيطاني المجرم، مهما كان الثمن.. وماضون في ثورتنا نحو الحرية والديمقراطية مهما حاول المتسلقون سرقة الثورة أو الالتفاف على مبادئها، عناصر قوتهم هو تحالف الفساد والتعصب والحقد والاستبداد، وعناصر قوتنا هي عدم قناعة الناس بمشاريعهم فقسم من العلويين وقسم أهم من الكرد واكبر من الشيعة وأغلب بقية الطوائف والأقليات لا يريدون ولا يسعون وراء مشروع تقسيم وحرب وصراعات لا تنتهي، وعدد من الدول الإقليمية ودول العالم لا تستطيع تحمل هكذا فوضى في منطقة حيوية كالشرق الأوسط. أما النظام الإيراني والعراقي كما هو حال المليشيات التابعة لهما، ومن ورائها النظام الروسي والصيني، فهي تفتقر كثيرا للشعبية وتلقى معارضة قوية متصاعدة تسير نحو الانتصار.

وأنا أدرك تماما أن هذه المنطقة لن تستقر من دون مشروع توحيدي يجمع ولا يفرق، قائم على حق وليس على باطل. مشروع دولة اتحادية ديمقراطية تضم كل مكونات المنطقة، وتهيء لوحدة اقتصادية سياسية إقليمية مع الاحتفاظ بالتنوع الاجتماعي والثقافي، هذه الدولة الكبيرة تستطيع النهوض بالمهام الجسيمة التي تقع على عاتقها. وهذا المشروع لن يقوم إلا على الديمقراطية وحقوق الإنسانوسيادة القانون، والاعتراف بالتنوع والتعايش والمساوة والعدالة، ولن يكون ممكنا من دون ابتكار صيغ اجتماع وتعايش خلاقة وجديدة، ومن دون ثورة في صعيد العقل والثقافة والدين، لذلك نحن ومهما تدهور حالنا نحو التخلف أو الوحشية والبربرية، فإن ثورتنا مستمرة وهي تتعمق وتتوسع، وسوف نعود في يومما لبناء بلداننا ومجتمعاتنا، على أسس حضارية عالمية، وأخلاقية إنسانية راسخة معروف للجميع. من دونها لن يكون هنالك سلام ولا استقرار ولا تقدم في هذه المنطقة، وما ينتج عن هذه الثورة سوف يساهم في إعادة بناء النظام العالمي السياسي والحقوقي والاقتصادي على أسس اقرب للحق من القوة والغلبة وهي رسالتنا، وسيرى من سعى بخبث وراء الفوضى والهمجية في المنطقة، وأرد فرض الخوف والخنوع على شعوبها أنه قد حفر قبره بيدية وأوجد عناصر نهايته.

‘ كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى