صفحات الناس

سوريا: هيئات لا شرعية

ايهاب عبد

لم يعد السوريون يعانون فقط من نير الأفرع الأمنية والمخابرات كما كان الحال طوال الأربعة عقود الماضية وبعد بدء الثورة حين تحوّل الاعتقال والتعذيب إلى قصف وإعدامات ميدانية، بل دخل على خط التنكيل بالجسد السوري أشخاص أعلنوا أنفسهم قائمين بأمر الله وأولياء الأمر على عباده، هذا هو لسان حال السوريين وتحديداً من هم في مدينة حلب، في ما خص الهيئات الشرعية في المدينة، ورأي الناس بما تقوم به. ناس يرون في هذه التصرفات ما ليس له علاقة بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد.

 سقطت أراض كبيرة وواسعة من أيدي النظام، واستقر الأمر نهائيا لقوات الجيش الحر التي يطغى على جل كتائبها الطابع الإسلامي، وبعد إحكام هذه الكتائب قبضتها على كثير من الأحياء والمدن وخاصة في حلب وإدلب وفي الريف الدمشقي، القلمون بالذات، وفي الغوطة الشرقية على امتدادها وفي محافظتي الرقة ودير الزور في شرقي الدولة، وجدوا أن عليهم حل الخلافات الصغيرة أو التصدي لمشكلات وجرائم كبيرة وشكاوى المواطنين على بعضهم البعض أو على عناصر غير منضبطة من الجيش الحر نفسه، فقرروا تشكيل هيئات ذات طابع قضائي أطلق عليها (الهيئات الشرعية)، وأعلنت هذه الهيئات أنها تمثل السلطة القضائية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام وأنها ستطبق الشريعة الإسلامية في أحكامها .

 الهيئات الشرعية لم تراع في تعيين أعضائها الاستقلالية أو الخبرة، بل الولاء للّواء أو الحركة أو التنظيم الذي يسيطر على هذه المنطقة أو تلك  القرية، فأصبح هناك هيئات شرعية مختلفة المراجع الفكرية والتنظيمية، وفي بعض المناطق “المتنازعة النفوذ” صار هناك هيئات شرعية متعددة كل منها تحكم وتوقف وتنفذ وتعاقب وفق مرجعياتها المختلفة فهذه لجبهة النصرة وهذه لتحرير الشام وتلك لأحرار الشام .

 أكثر المناطق التي ارتبط اسم الهيئة الشرعية مع فضائحها القانونية والحقوقية هي حلب، حيث سعت الهيئة لنفي أي علاقة لها بقتل الفتى محمد قطاع والملقب بسلمو والذي تم إعدامه أمام والديه بتهمة “تلفظ الكفر”، وقالت الهيئة إن لا علاقة لها إطلاقا بهذه الحادثة وإنها ستلاحق الجناة في هذه الجريمة التي جعلت نشطاء المجتمع المدني والثوار على الأرض يدعون للتظاهر والوقوف استنكارا واحتجاجا وللمطالبة بقصاص الفاعلين، وهذه الهيئة تورطت مراراً باعتقال نشطاء وإعلاميين مؤيدين للثورة ولكنهم يختلفون معها في الرأي و النظرة إلى الحياة حيث لا يمكن نسيان اعتقال الطبيب الناشط  ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﺝ ﻋﺜﻤﺎﻥ الذي اتهم يومها بالإساءة للإسلام عندما نزع علم جبهة النصرة من فوق المشفى الذي يعمل به ووضع علم الثورة، ليصار إلى إطلاق سراحه بعد اثنتي عشرة ساعة من اعتقاله بعد أن ثبت أن تصرفه “سياسي” و ليس له علاقة بالدين إذ أقنع الهيئة بأن العلم هو لجبهة النصرة و ليس للإسلام!

 لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل ازدادت تجاوزات الهيئات الشرعية بشكل كبير، كتنفيذ حد الحرابة بالشاب محمد عيد صطوف جمعة من قبل الهيئة في حلب، من دون العودة إلى الهيئة الشرعية في الباب ورميه على قارعة الطريق ولصق ورقة على جسده مكتوب عليها “سلب نهب”، ما سبب توترا كبيرا بين الهيئتين، لتعود الهيئة و تمارس النفي مرارا و تكرارا بأنها غير مسؤولة وبأنها لم تقم بهذا العمل أو ذاك ولم ترتكب هذه الجريمة أو تلك، ثم بعد ذلك قامت الهيئة الشرعية في الرقة باعتقال فتاتين اتهمتا “بالسفور”، ثم وبعد مظاهرة حاشدة خرجت للمطالبة بإطلاق سراحهما اتهمتا بالزنى ثم بالعمالة للمخابرات الأمريكية وبعد ضغط شعبي تم إطلاق سراحهما.

 للإنصاف، يقول الناشط الميداني أبو المصطفى العاني من ريف دمشق إن “الهيئات الشرعية  تعاني  مشاكل كبيرة، فهي مسؤولة عن حفظ الأمن وحماية المدن وملاحقة المجرمين ولكن في  الوقت نفسه تعاني من تشرذم الكتائب وكثرتها وعدم القدرة على الحصول على استقلالية في القرار أو شرطة مستقلة، فمنذ يومين أصدرت الهيئة الشرعية في يبرود قراراً باعتقال أربعة  أفراد مقربين من جبهة النصرة، فقامت الجبهة بمحاصرة المقر التابع للهيئة وإخراج المعتقلين بالقوة إضافة أن العالم لم يهتم بتدريب كوادر تعنى بالعدالة الانتقالية وإدخالهم إلى الداخل وتوفير الدعم و الحماية اللازمة لهم”، وبحسب كثير من الناشطين فإن الهيئات تعمل في ظروف صعبة للغاية و مع ذلك فهي تنجز إنجازات كبيرة!

 قد تكون الحاجة إلى أمن في مناطق يغيب عنها كل أشكال الأمان، دفعت بالكثير من السوريين إلى تبني الهيئات الشرعية كملجأ لحمايتهم من أعمال الشغب والسرقة والفلتان الحاصل، إلّا أنهم بطبيعة الحال لا يُمكنهم أن يفهموا الكثير من الإجراءات التي تتخذها هذه الهيئات والأمثلة عليها كثيرة، وآخرها منع بيع الطحين إلى المناطق غير المحررة، كما حصل منذ أيام في حلب. لسان حال الناس في المدينة يسأل عن الحق في منع الخبز عن أناس ذنبهم الوحيد أنهم في مناطق يسيطر عليها النظام، وكأن العقاب يجب أن يكون جماعياً، وكأن الأطفال والنساء والشيوخ، يتحملون مسؤولية ما يقوم به النظام وما يفعله الشبيحة. هذا فضلاً عن آخر فتوى صدرت في حلب أيضاً، والتي تمنع النساء من ارتداء الملابس التي تُظهر ملامح الجسد. فتاوى بدأت تخيف الشارع السوري، والأصوات بدأت تعلو رفضاً لهذه الممارسات الشبيهة بممارسات النظام ومخابراته. نظام ثاروا عليه ودفعوا إلى الآن آلاف الشهداء لإطاحته.

 النتيجة و سواء كانت الهيئات تنجز أو لا تنجز ، تفشل أو لا تفشل، فإنها و بشكل أكيد لا تعمل وفق نص واضح أو قانون مقيد أو سلطة تراتبية تؤمن العدالة والضمانات القانونية للموقوف، مشاهد الجلد في سراقب و اعتقال صحافيين في مدينة الباب وإعزاز كلها دليل بأن المسحوق في النهاية هو المواطن السوري الذي حلم يوما بدولة قانون و دولة عدالة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى