صفحات العالم

سوريا وأسئلة الطور الجديد


غازي دحمان

كانت الأزمة السورية دخلت، بعد خمسة أشهر على بدئها، طوراً جديداً، من أطوارها، يتمثل بحالة توازن القوى بين طرفيها، النظام والثورة، حيث تجسدت للطرفين عوائق وصعوبات الحسم النهائي للمعركة، كما إرتسمت بشكل واضح  حدود قدرات كل منهما في السير لأهدافه المعلنة، وقد وجد هذا المعطى إنعكاسه الميداني في الحذر الذي أبداه الطرفان في نمط إستجاباتهما للمقاربات التي يحاول كل طرف منهما طرحها للخروج من الأزمة.

وأثبتت الشهور الخمسة من عمر الأزمة السورية عجز النظام السوري عن وقف مد الثورة الشعبية ومنع إتساع رقعتها الجغرافية، وكذلك عجزه عن حصرها ضمن مكونات معينة في المجتمع السوري، بل أن إجراءاته وسياساته الأمنية والإعلامية أنتجت مفعولاً عكسياً لما أراده، ووصل الأمر بالنظام إلى محاولة تقليل حجم خسائره الشعبية والمعنوية ما أمكن، وهو ما حاول إنجازه عبر بعض الإجراءات الإصلاحية الشكلية وذات الفاعلية النسبية والهامشية، والتي لم ينتج عنها سوى تأكيد نظرية المعارضة التي تقول ان النظام يعمل جاهداً وحثيثاً للإلتفاف على الثورة عبر طرحه نموذجاً إصلاحياً فارغاً يتوافق مع أوضاع سوريا ماقبل التسعينات، بل حتى أن النظام يحاول إستثمار الحالة الراهنة ليشرعن وجوده بصفته نظاماً إصلاحياً قابلاً للإستمرار والتكيف مع معطيات سوريا الجديدة، وحتى تلك التي ستستجد.

ميدانياً بالإضافة إلى عدم قدرة النظام في التأثير عل دينامية الحراك الشعبي، فإنه بدا عاجزا، رغم سطوته الأمنية، عن تفكيك بنية الثورة وهيكلتها والتي قامت على أساس شباب ناشطين أسسوا في مرحلة لاحقة تنسيقيات الثورة، وصار هؤلاء جسمها المنظم للثورة والمحرك الأساسي لكل فاعلياتها، ووصل الأمر لان يصبح الشباب وتنسيقياتهم طرفاً موازياً لتأثير الدولة وأجهزتها على الأرض، كما كان للتكتيكات التي إتبعها الجسم المنظم للثورة، والتي إعتمدت التمويه وتوزيع الأدوار وحسن التنظيم، إضافة إلى القيام بمهمات المتابعة والرصد وحتى هندسة مسارح التظاهر وأمكنة الإحتجاج، وتصميم الشعارات المناسبة لكل مرحلة، دور مهم في حماية الجسم الأساسي للثورة وإستمراره.

لكن مقابل ذلك، ثمة إخفاقات أكيدة وواضحة، منها أن الثورة عجزت حتى اللحظة عن إقناع الكتلة الحرجة (الموظفون والشرائح الوسطى والغنية في المراكز الكبرى) من الإنضمام للثورة، كما لم تستطع إستمالة أي من مراكز السلطة، فضلاً عن عدم قدرتها على طرح نفسها كطرف واضح، إذ لايكفي القول بوجود تنسيقيات وشباب يقودون الثورة، إن لم يتم معرفة توجهات هذا الطرف ومكوناته وأيديولوجيته، وكذا معرفة التوجه السياسي وطبيعة التصورات والرؤى التي يتبناها هؤلاء عن سوريا الغد.

هذه الأسباب وغيرها، أوصلت الحالة السورية إلى نقطة التوازن في القوى، بحيث حافظ النظام على تماسكه وسيطرته على أجهزة ومؤسسات الدولة فضلاً عن إحتفاظه بجسم مؤيد ومنعه قسم من المترددين من الإلتحاق بالثورة عبر وسائل مختلفة تندرج بين خانات التخويف والإستتباع المصلحي، في حين إستطاعت قوى الثورة تأسيس مرتكزات جماهيرية واسعة وإمتلاك سلطة معنوية تتمثل في قدرتها على تسيير برنامج الثورة وتطويره عبر أشكال النضال السلمية التي تشمل إضافة إلى التظاهر، الإضراب والإعتصام ووصولاً إلى حالة العصيان المدني.

غير أن المؤكد ان هذه الحالة وإن كانت تناسب قوى الثورة في سوريا بإعتبارها طوراً من أطوار الفعل الثوري تتهيأ عبرها للإنطلاق إلى مرحلة أخرى، فإنها لا تناسب النظام الذي يبقى في دائرة الخطر، من هنا قيامه، بإتباع أساليب أكثر عنفاً تهدف إلى إخراجه من خانة الخطر وتقلب معادلة القوى لمصلحته، ويبقى السؤال هنا هل سيغير ذلك من الواقع الذي إرتسم بشكل حاسم في الحيز السوري؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى