صفحات العالم

سوريا: واشنطن توازن بين رغبتها بالرحيل وبين مواجهة إيران/ سلام السعدي

 

 

قبيل الضربات العسكرية الأميركية على النظام السوري، احتضنت العاصمة التركية أنقرة لقاء جمع رؤساء كل من تركيا وروسيا وإيران لتقرير مستقبل سوريا. لا مشاركة عربية من أي نوع، إذ تترك الساحة السورية فريسة سهلة للنفوذ الإيراني- الروسي- التركي.

الغريب أن الحديث عن دور عربي جاء على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما اقترح استبدال القوات الأميركية في سوريا بقوات عربية. ورغم كون الأطراف المعنية بهذا الاقتراح، أي الدول العربية وأميركا، في حاجة ماسة لتحرّكات من هذا النوع لكبح النفوذ الإيراني، فإن تطبيقه يبدو بعيدا عن الواقع.

تكمن أهمية هذه الفكرة بالنسبة للإدارة الأميركية في أنها تمكنها من تحقيق أهدافها وتجعلها تغادر سوريا في وقت واحد، وهو ما يمكن أن يعتبر نصرا سياسيا للرئيس الأميركي. في الوقت الحالي هناك هدفان رئيسيان للتواجد الأميركي في سوريا. يرتبط الأول بأسباب تواجدها في المقام الأول، أي لمحاربة تنظيم داعش وضمان هزيمته.

يعرف الأميركيون من خبرتهم في العراق وأفغانستان أن القضاء التام على داعش والخلايا النائمة أمر مستحيل باستراتيجية الحرب على الإرهاب المتبعة حاليا. وقد أدى فشل الدولة الوطنية والمظلوميات المتولدة عنه إلى إعادة إنتاج جماعات متطرفة قادرة على تجنيد قدر كبير من السكان.

تعرف الإدارة الأميركية ذلك جيدا وتخشى أن تشكل سوريا مستنقعا جديدا يضاف لأفغانستان والعراق، حيث لا يمكن التخلص من التنظيمات الإرهابية ولا يمكن للقوات الأميركية أن تترك القوات المحلية الضعيفة وتغادر.

وعليه فإن المخطط الأميركي في سوريا يتجه نحو إضعاف تنظيم داعش وكل التنظيمات الراديكالية إلى درجة كبيرة بما يسمح بترك قوات محلية تكون قادرة على مواجهتها وتمنع تمددها. وبهذا المعنى سوف تساعد القوات العربية المقترحة في تحقيق الاستقرار وتمكن من سحب القوات الأميركية.

المعضلة الثانية التي واجهت الولايات المتحدة والتي يمكن لقوات عربية أن تساهم في حلها تكمن في اعتماد واشنطن بمناطق تواجدها في سوريا على القوات الكردية في مناطق ذات غالبية عربية. وقد يتسبّب ذلك بعزلتها وبتنامي الأعداء في محيط تواجدها وفقدانها للعمق السياسي والعسكري الضروري لتواجد طويل الأمد.

هكذا تأتي فكرة إدخال قوات عربية لإضفاء بعض العمق الاستراتيجي لتلك القوات، حيث من الممكن أن يكون مرحبا بها من المعارضة السورية والسكان العرب، وربما أيضا من تركيا التي تريد، أولا وأخيرا، التخلص من الهيمنة العسكرية الكردية في شمال سوريا.

السبب الآخر لطرح فكرة القوات العربية مرتبط بالهدف الثاني للتواجد الأميركي في سوريا وهو كبح النفوذ الإيراني.

تعلم إدارة ترامب أن عددا من الدول العربية، وخصوصا المملكة العربية السعودية، تشاركها القلق من توسع النفوذ الإيراني والرغبة في العمل على كبحه.

ورغم انشغال السعودية بحربها في اليمن، ولكن ساحة المعركة مع إيران تبدو ساحة واحدة كل منها تؤثر على مجريات الأحداث في الأخرى. كما اكتسبت القوات السعودية خبرات جديدة وهامة في اليمن يمكن أن تكون مفيدة لها في سوريا.

ورغم كل ما ذكر فإن التفكير في آليات تطبيق الاقتراح الأميركي والمآلات التي قد يقود إليها يجعل حظوظ المضي قدما في تنفيذه ضعيفة للغاية. أولا ليس من المحتمل أن توافق القوات الكردية على دخول أي قوات عربية، باستثناء قوات محدودة وبصورة رمزية وبشرط أن تكون معادية لتركيا، وهو ما يفقد الاقتراح أهميته.

يوضح اقتراح دونالد ترامب بتشكيل قوة عربية أنه كان جادا عندما تحدث قبل نحو أسبوعين عن التحضير لسحب قواته من سوريا “في وقت قريب”. تم كبح تلك الرغبة بسبب حقيقة توسع النفوذ العسكري الإيراني في سوريا والعراق. ولتحقيق التوازن يطرح ترامب اليوم فكرة القوة العربية المشتركة. في حال لم تجد تلك الفكرة طريقها للتنفيذ، كما هو متوقع، فمن المرجح أن تواصل الإدارة الأميركية طرح خيارات تحقق التوازن بين رغبتها في الرحيل وبين أهمية صدّ النفوذ الإيراني.

كاتب فلسطيني سوري

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى