صفحات العالم

سوريا والانعطافة الاميركية

 

    محمد ابرهيم

ولاية جديدة ووزير خارجية جديد كانا المناسبة التي سمحت للرئيس الاميركي باراك اوباما باعلان انعطافته: من لامكان للاسد الى التفاوض مع الاسد.

الهدف الاول المعروف لهذه الانعطافة هو فك عقدة استخدام مجلس الامن في ادارة الازمة السورية، بعدما بات الموقفان الاميركي والروسي يتقاطعان عند بنود اتفاق جنيف، وفق التفسير الروسي.

الهدف الاميركي الثاني، الضمني، هو استعمال التفاهم الممكن مع روسيا لانجاز هدفين: انهاء سيطرة المجموعة الحاكمة التي يمثلها الاسد، وانهاء الانتشار غير المضبوط للتنظيمات المرتبطة بـ”القاعدة”.

بين هذين الهدفين، الثاني هو الذي يحظى بتأييدي حماسي من الروس، اما بالنسبة للأول فالموقف الروسي يلفّه الغموض. وخلف شعار ان الشعب السوري هو الذي يقرر مصير الاسد، تكمن ولاشك سلسلة من الشروط لقبول التغيير في سوريا.

وبما ان العملية السياسية لم تعد بحاجة لانتظار الحسم في احد الاتجاهين، انهيار النظام او انهيار المعارضة، يمكن توقع خطوات اميركية – روسية في مجلس الامن تفرض على جميع الاطراف الداخليين والخارجيين مبدأ وقف العمليات العسكرية عند الخطوط الراهنة في موازاة فصل دولي ميداني، ومفاوضات برعاية دولية.

هذا التوجه الذي يبدو ان الروس والاميركيين يعملون على انضاجه يصعب ان يواجه معارضة تصل الى حد استعمال حق الفيتو من الطرفين المعنيين المتمسكين بمطلب ازاحة الاسد اولاً: فرنسا وبريطانيا. لكن في انتظار ان تنضج معالم التحرك الاميركي- الروسي تخوض كل من باريس ولندن سباقا لجعل تسليح المعارضة واقعا يشبه التسليح الذي يتلقاه النظام من الروس والايرانيين. ولا يحظى التوجه الاميركي الجديد بالرضى التركي- السعودي- القطري، لكن هذا المحور لا يستطيع ان يؤثر مباشرة على اتجاهات الموقف داخل مجلس الامن، لذلك نراه يخوض سباقا خاصا به يتعلّق تحديدا بحسم موضوع تشكيل حكومة المعارضة وحسم احتلالها مقعد سوريا في الجامعة العربية.

لا يتناقض كل ذلك مع اعتبار ان الازمة السورية ما زالت بعيدة عن الحل، سياسيا وعسكريا. لكنه يضع سقفا لا يمكن اختراقه لمشروعين: مشروع استعادة النظام سيطرته على سوريا، ومشروع تحويل سوريا “قاعدة” جهادية.

منذ بداية “الربيع العربي” كان شرط نجاح اطاحة الانظمة المعنية تلاقي الارادتين المحلية والدولية على ضرورة التغيير. لذلك ورغم كل المظاهر التي تشير الى الفوضى في مواقع نجاح “الربيع”، نجد انها خاضعة لضوابط توافق دولي معلن اوضمني.

يبدو انه حان وقت انضمام سوريا الى هذا النوع من التغيير، لكن مع ارتفاع في منسوب الوصاية الدولية تفرضه طبيعة الطرفين الداخليين المتنازعين.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى