سلام الكواكبيصفحات مميزة

سوريا والتفاؤل المتطرف!: سلام كواكبي

سلام الكواكبي

يبحث بعضنا عن التفاؤل والابتعاد عن الشك والحذر من صعود الاتجاهات المتطرفة ذات الحامل الديني في الأفق السياسي للثورة السورية. وأكثر من يتبنى هذا هو علماني التوجه عموماً ويساري الانتماء خصوصاً. وقد أراحت هذه المواقف الكثيرين في نظرتهم إلى تطورات الأحداث وجادت الأقلام بالكتابة التحليلية الرصينة مبتعدة عن التهويل والترهيب من مسارٍ محسوس يتطور يوماً إثر يوم. وقد انبرى المحللون إلى استنباط الجذور المُهيئة والمآلات المُقيّدة، مستندين في ذلك، وعن حق ودراية، بالعلوم الاجتماعية، بعيداً عن أدبيات الفكر الجاهز أو الحكم المسبق. وتطورت نظرية “تأجيل المراحل” بشكل مضطرد على الساحة السورية، وابتعد المفكرون الداعمون للثورة عن توجيه الانتقاد، إلا لماماً، لتجاوزات ملموسة. وتم تهميش الحذر المبرر من مستقبل يؤثر سلباً في مساره من يحمل فكر الإقصاء والتكفير. وانبثق هذا الموقف العقلاني من خشية المزج بين من يساند ثورة الحرية والكرامة ومن يعاديها متعللاً بحجج التدين أو الظواهر العقائدية المُضخّمة في جنباتها.

بعد مرور ما يقارب السنتين على المسار الثوري السوري وبعد معاينة التجارب الأخرى عن قرب نسبي ورؤية ما يحصل في تونس وفي مصر من صعود للعنف المستند إلى شرعية دينية مُختلقة، وبعد سماع عديد من الروايات عن ممارسات معينة في مناطق سورية “تحررت” وباتت خاضعة لقوات ذات لونٍ إيديولوجي محدد، هناك سؤال يطرح نفسه بشرعية وبتواضع: هل ما زال الابتعاد عن الخوض في هذا الموضوع بشكل علمي غير إنشائي وبطريقة منفتحة على كل الروايات والاجتهادات المرتبطة بالفكر الداعم للثورة مكروهاً؟

هل يجب علينا أن نقف متفرجين مؤجلين مهادنين متفهمين مبررين أمام الواقع وثناياه؟ هل يمكننا أن نصبح مدافعين عن طلبة الظلام في أفغانستان وعن قراصنة الشباب في الصومال وعن حارقي المخطوطات وهادمي الأضرحة في مالي؟ هل عداؤنا التقليدي والمحق للقوى الاستعمارية “الغربية والإمبريالية” يبرر لنا تضامننا الضمني مع مصادري السماء وظلاميي الأرض؟ هل رغبتنا في وصول الثورة إلى مبتغاها يعمينا عن رؤية الواقع وتطور الأحداث؟

هي دعوة إلى أن نقف جميعاً أمام أنفسنا التي هي مرآة الحقيقة ونسائلها من دون أي مواربة. هي رغبة في فهم المكنونات الثقافية لهذه الظواهر وحواملها الاجتماعية في مجتمعات اشتهرت (أو خُيّل لنا) بالوسطية وبالتجانس وبالتسامح. لا يمكن تأجيل الاستحقاقات والقول بأن لكل حديث مقالا أو بأنه يجب عدم الخوض في ما يساعد المشككين والمعادين للثورة السورية على ملء خزاناتهم الفكرية الهشة.

هناك واقع أضحى شبه جلي وهناك عناصر متفككة يساعد تجميعها على تحليل الظاهرة المرتبطة بها. المثقف العضوي من كل الاتجاهات الفكرية، وخصوصاً الإسلامية، مطالب اليوم بأن ينتج فكراً مصاحباً محللاً ونقدياً وليس تبريرياً.

عشنا عقوداً مع التبرير والتأجيل. وقتلنا بصمتنا الكثيرين، من فرج فودة إلى شكري بالعيد.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى