صفحات العالم

سوريا والسيناريوهات البشعة


سعد بن طفلة العجمي

ليس في قراءة الوضع السوري سوى حتمية واحدة: النظام ساقط عاجلًا أم آجلًا، والسبب علمي بديهي، فهو نظام يحاول أن يسير عكس قانون الجاذبية. اللحظة التي بدأ بحسم أمر الاحتجاجات السلمية بالعنف والبطش، رغم أنه أسلوب لم ينجح فيما يجري حوله، أعلن فيها النظام شهادة سقوطه، ولكن كيف؟

لم يتوقف الاحتجاج بعد أشهر من القمع الدامي وتقديم ضحايا بعشرات الآلاف بين قتيل وجريح ومعتقل ومعذب ولاجئ، التوقف يعني فناء الأمل، وهو أمل لاحت بوارقه بالتخلص من الطغيان بأثمان غالية، وماتحقق من إنجاز إزاحة حاجز الخوف، لايعادل بأي ثمن، والعودة إلى الوراء والذل والاستكانة مستحيلة استحالة بقاء النظام.

كثيرون عولوا على أن النظام السوري سيكون أكثر ذكاء من سابقيه في تونس وليبيا واليمن ومصر، ولكن “ملة الطغاة واحدة”، مراقبون راهنوا على اختلاف عقلية طبيب العيون الشاب الذي انفتح على العالم وجاء للرئاسة بالمصادفة، حادث سير لأخيه وبوفاة أبيه المفاجئة، ولكن يبدو أن ثقافة البطش جينية، فكان القمع وسفك الدماء هو السلاح الوحيد الذي مارسه النظام، ولا يزال منذ اندلاعة الاحتجاجات في درعا قبل عشرة أشهر، وهو قمع لم يضعف الثورة، ولكنه أدى إلى عسكرتها وتلاشي سلميتها شيئاً فشيئاً. كتب “إيان بلاك” في الغارديان: لا يمكن أن تطلق النار على صدور عارية يوميّاً وتتوقع ألا يقوموا بتبادل إطلاق النار معك يوماً ما. وهو ما جرى -بكل أسف.

الانشقاقات في الجيش العربي السوري بالآلاف، والمعنويات تنهار بين صفوفه خجلاً من تصديهم لشعبهم الأعزل وهم الذين ظنوا يوماً أنهم جندوا وسلحوا لتحرير الجولان ومجابهة إسرائيل، والسلاح يتكاثر بأيدي الثوار ضد النظام، وتهريبه يجري برعاية من قيادات الجيش السوري نفسه، لقاء رشاوى كانت ولا تزال سمة من سمات النظام في كافة مؤسساته، والقتال أصبح يأخذ طابعاً نديّاً، وخصوصاً بعد تفاهم لوقف إطلاق النار بين الثوار والجيش في الزبداني يوم الأربعاء الماضي، فللمرة الأولى يخضع النظام لمبدأ التفاهم مع الثوار، وهو مؤشر ضعف وتضعضع النظام، مهما حاول رئيسه إظهار الصلابة والجلد في مواجهة الثورة كما فعل في خطابه الأخير.

وطالت الانشقاقات بعض المسؤولين ونواب مجلس الشعب، وتمرد موظفون رسميون في الدولة التي تعاني من الترهل البيروقراطي المتخلف أصلاً.

لكن المؤشر الأكثر خطورة، هو الانهيار النفسي والمعنوي والمعاشي للإنسان السوري، فالليرة السورية فقدت ربع قيمتها حتى الآن، والتعامل معها كعملة تلاشى ومعه التعامل مع بطاقات الائتمان، وارتفعت الأسعار، واختفت المحروقات والبنزين، وزادت ساعات قطع الكهرباء التي لم تكن مستمرة قبل الثورة، وهرب المستثمرون وغاب السياح، وخلت الفنادق، وبدأ الإنسان السوري المتوسط الحال يشعر بالضائقة في حياته المعيشية اليومية. بل وصلت القناعة حتى بين أوساط مؤيدي النظام بأن السقوط حتمي لا محالة، ولكن كيف وبأي ثمن؟

المجتمع الدولي مشغول بأولوياته، وليس بينها الدم السوري المسفوح، وإسرائيل تتفرج بقلق على زوال النظام، ولكن أي إشارة لتعاطفها معه وبقائه تعني التسريع بسقوطه، فآثرت استمرار الفرجة: “فخار يكسّر بعضه”. وتركيا لن تقدم على تدخل مباشر دون غطاء ومباركة ومساندة “الناتو”، و”الناتو” تقوده أميركا، وأميركا مشغولة بانتخابات الرئاسة، وأوضاعها الاقتصادية متردية، وأوروبا “عبدالمعين الذي ينعان”، وإيران تتمنى مزيداً من القلاقل والفوضى في المنطقة فحالها “أنا الغريق فما خوفي من البلل”، ولكن سقوط النظام السوري سيكون ضربة قاصمة لاستراتيجيتها للهيمنة وفك حصارها وتثبيت نظامها وتبرير قمعها لشعبها.

المشهد السوري محزن من كافة جوانبه، لكن الحتمي فيه، سقوط نظامه…

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى