صفحات العالم

سوريا… وسؤال ما بعد السقوط


محمد الحمادي

في أيام الثورة المصرية لم تكن الولايات المتحدة بحاجة لأكثر من عدة أسابيع لتطالب مبارك بالرحيل “فوراً”. في سوريا وبعد قرابة العام من اندلاع الثورة وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية تقول إن تجريم الأسد قد يعقد التوصل إلى حل في سوريا. وفي كلمة لها أمام مجلس الشيوخ أكدت أن الأسد في طريقه للخروج من السلطة في آخر الأمر لكنها قالت: “ما لا أعرفه هو كيف أحدد آخر الأمر”!

هذا الموقف الأميركي يثير كثيراً من التساؤلات ليس فقط حول مستقبل سوريا وسيناريوهات نهاية النظام هناك، وإنما حول الحراك القائم في بعض الدول العربية منذ بداية العام الماضي، ويثير التساؤلات إن كانت سوريا هي حجر الدومنيو الأخير الذي سيسقط نتيجة ذلك الحراك العربي وسيوقف سقوط أحجار أخرى!

الموقف الأميركي مثير للاندهاش والموقف العالمي مثير للاشمئزاز. ففي الوقت الذي تخلت فيه عن اثنين من أقرب حلفائها(مبارك وبن علي)، فإنها مترددة لدرجة “الشلل” تجاه الوضع في سوريا على الرغم مما تراه من جرائم يومية هناك، ورغم وقوع عشرة آلاف قتيل تقريباً وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين.

أما أوروبا التي كانت مندفعة للإطاحة بالقذافي فإن كل ما فعلته أنها أضافت عقوبات جديدة ضد البنك المركزي السوري وجمدت أرصدته. وهذه العقوبات بعد عقوبات أخرى. والولايات المتحدة توقفت عن اتخاذ مواقف واضحة لكنها لا تتوقف عن التصريحات فقد قالت إن الاستفتاء الذي تم منذ أيام على الدستور الجديد في سوريا يعبر عن “وقاحة مطلقة”. وما يبدو واضحاً أن الشعب السوري لا يحتاج اليوم إلى الكلام بقدر حاجته إلى أفعال سواء من الولايات المتحدة أو من العرب الذين عبر عن رأي جزء منهم رئيس وزراء قطر بتبني خيار تسليح المعارضة، أما المملكة العربية السعودية فلها موقف قوي جداً وواضح تجاه النظام الحالي ونهايته، لكن كل ذلك لم يترجم إلى أفعال بعد!

لقد فشل مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في تونس الأسبوع الماضي في بلورة رؤية واضحة للتعامل مع الأزمة السورية، بل وكانت له نتائج عكسية حيث كان القشة التي قصمت ظهر المعارضة السورية فقسمتها إلى جزأين: “المجلس الوطني الانتقالي” والفصيل الجديد “جبهة العمل الوطني لدعم الجيش الحر”. ورغم نفي هيثم المالح هذا الانشقاق وقوله بأن الجبهة تعمل تحت مظلة المجلس وتهدف إلى التنسيق مع الجيش السوري الحر، فإن الخلافات في المعارضة لا يمكن إخفاؤها، ومهما كانت التفاصيل فكل ما يحدث وما يحاول العالم القيام به إنما يكشف العجز العربي والعالمي في التعامل مع الأزمة السورية والعجز عن إنقاذ المدنيين والأبرياء السوريين الذين يقتل منهم العشرات يومياً، وفي نفس الوقت فإن ذلك العجز يجعل النظام السوري أكثر ثقة في بقائه واستمراره وبالتالي أكثر إمعاناً في تصفية معارضيه في الداخل.

المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات المتبادلة بين “أصدقاء سوريا” مستمرة، فلابد أن أولئك “الأصدقاء” قد يتوصلون إلى حل لإنهاء الأزمة في سوريا ورحيل النظام، ففي مطبخ السياسة طباخون يعرفون ماذا يفعلون.

ما يهمنا وما يثير المخاوف لدينا الإجابة على السؤال الأهم وهو: ماذا بعد رحيل نظام بشار الأسد؟ ما هي السيناريوهات المحتملة؟ من سيحكم ومن هو البديل؟ هل البديل هو فاروق الشرع، نائب الرئيس الحالي؟ أم عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس والمعارض الحالي لنظام الحكم؟ أم سيكون رفعت الأسد عم الرئيس بشار وشقيق الرئيس السابق؟ أم سيكون برهان غليون رئيس المجلس الانتقالي الذي يقبل برحيل الأسد وبحل مشابه للحل اليمني؟ أم سيكون المعارض هيثم المالح رئيس جبهة العمل الوطني لدعم الجيش الحر الذي “انشق” وعشرين آخرين عن المجلس الانتقالي الحالي؟ أم سيكون أحد الرموز الإسلامية في سوريا؟ أم أنه غير كل هؤلاء وسيتم التوافق عليه شعبياً؟ أصدقاء سوريا مطالبون بالإجابة على هذا السؤال حتى يكون تحركهم واضحاً ويؤدي إلى النتائج المرجوة.

كما أنه من المهم توضيح في حال سقط النظام الحالي وجاءت حكومة سورية جديدة على غير هوى الدول العربية الداعمة لتغيير النظام الحالي، هل ستحصل تلك الحكومة على الدعم الذي ستحتاجه من أجل إعادة البلاد إلى وضعها الطبيعي وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد وعلاج الجرحى والمصابين وعلاج نفسيات الشعب والأمهات الثكالى والأطفال اليتامى؟ هل سيقف العرب صفاً واحداً مع سوريا الجديدة أم سيتركونها تواجه مصيرها المجهول كما حدث مع العراق قبل تسع سنوات، وكما يحدث مع مصر اليوم؟ منذ أيام كان رئيس الوزراء المصري يشتكي من تخلي الدول العربية عن دعم مصر وعدم تقديم المساعدات التي وعدتها بها… وهذا ما لا يتمناه أحد، لأنها ستكون كارثة جديدة على العرب لا أحد يريدها.

في لحظة تاريخية حرجة كهذه التي يمر بها الشعب السوري من المهم أن يضع العرب حساباتهم الشخصية ومواقفهم الآنية جانباً ومن المهم أيضاً أن يضع الغرب مصالحه المادية الاستراتيجية منها وغير الاستراتيجية جانباً ويركز الجميع على إيقاف شلال الدم الذي لا يتوقف في سوريا.

من خلال نظرة موضوعية على ما يحدث في سوريا من الطبيعي أن يتساءل الجميع وباستغراب شديد: أين الحماس الأميركي والأوروبي والعالمي تجاه حقوق الإنسان وحقوق الشعوب؟ لماذا لا نرى ذلك الحماس الأوروبي منقطع النظير في ليبيا يتكرر اليوم مع سوريا؟ هل كان الدم الليبي أغلى عند الغرب من الدم السوري، أم لأن النفط الليبي كان أكثر إغراءً؟ هل تخلى العالم الغربي عن شعاراته الإنسانية لهذه الدرجة التي يقبل أن يقف فيها موقف المتفرج على قتل الأبرياء يومياً وكل ما يفعله أن يفرض بعض العقوبات الاقتصادية ويجمد بعض الأرصدة الحكومية والشخصية؟

كاتب وصحفي-الإمارات

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى