صفحات العالم

سوريا.. وسيناريو يوم القيامة

 


طارق الحميد

يقول أحد «محللي» النظام السوري على قناة «العربية» إن سقوط النظام في دمشق سيمثل سيناريو يوم القيامة بالمنطقة. بل ويقول تصورا كيف سيكون المشهد في العراق، مثلا، مع انسحاب القوات الأميركية من هناك نهاية العام. وبالطبع لا نعلم ما إذا كان ذلك تحليلا، أم تهديدا، لكن المؤكد أن هذا تسطيح!

فمع اندلاع المظاهرات في جل المدن السورية، فإن الحقائق بالمنطقة تقول عكس ذلك. فعندما ساءت العلاقة السورية مع حماس، مثلا، انفرجت أزمة المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، والتأمت بالقاهرة. وها هي حكومة حزب الله في لبنان تراوح مكانها، بل هناك حديث عن حكومة وحدة وطنية لبنانية. وها هم قيادات حزب الله يدخلون جحورهم بانتظار أوضاع سوريا. وفي حال قرر الحزب فتح جبهة مع إسرائيل لرفع الضغط عن النظام السوري، فإن ذلك سيكون بمثابة غلطة العمر، فلا توجد دولة عربية اليوم مؤهلة للعب موقف دولي لوقف عدوان إسرائيل، فالكل مشغول بهمومه الداخلية، بما فيها إيران.

لكن الغريب في تصريحات «محلل» دمشق أنه يتحدث عن الوضع في العراق في حال سقوط النظام السوري، وليس عن وضع بلاده. فأيهما الأهم، مطالب الشعب السوري أم الوضع بالعراق؟ فكيف ستؤثر سوريا على العراق في حال تغيير النظام أو سقوطه، بينما لم يؤثر العراق بمساحته وسكانه وكل تشعباته على الداخل السوري بعد سقوط نظام صدام حسين وبالعمل العسكري؟ الإشكالية أن النظام السوري لا يكترث بالمطالب الداخلية بمقدار محاولته استخدام كل ورقة خارجية لتدعيم نظامه.

فعندما يصدر الأوروبيون قائمة عقوبات تستهدف 13 شخصية سورية، فإن المستشارة السورية بثينة شعبان معها كل الحق عندما قالت لصحيفة «نيويورك تايمز» بأن النظام قد تعود على العقوبات، بل واستخفت بها. ففي حال ما استطاع النظام السوري قمع المظاهرات بشكل تام، وهذا ما يفعله الآن، فبكل سهولة حينها سيتخلص من العقوبات الأوروبية أو الأميركية. فكل ما يتطلبه الأمر هو افتعال أزمة في لبنان، أو في مكان آخر، مثل القضية الفلسطينية، أو العراق، وعندما يأتي الغرب للتفاوض مع دمشق فحينها عليهم أن يثبتوا حسن النوايا، وهذا يعني رفع تلك العقوبات.. هكذا بكل بساطة، وقد فعلتها دمشق مرارا، وأبرز حالة مفاوضات ضبط الحدود السورية العراقية مع الأميركيين، وها هو السفير الأميركي في دمشق، ولا نية حتى لسحبه رغم كل ما يحدث في سوريا.

والأطرف من كل ذلك أنه رغم وصول عدد القتلى في سوريا إلى قرابة 800 قتيل، واعتقال الآلاف، وما زالت الدبابات تطوف الأزقة والشوارع، والأبرياء يسجنون بالملاعب الرياضية، ويعذبون للإفصاح عن الأرقام السرية لحساباتهم على «فيس بوك» وغيره، رغم كل ذلك فإن سوريا ما زالت مرشحة للحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ولِمَ لا، ما دام الصمت العربي والدولي، وتحديدا الأميركي، مستمرا بشكل محزن، وما دامت إسرائيل راضية، بل وآمنة على حدودها المؤمنة باتفاقية هدنة، وليس اتفاقية سلام مع دمشق!

وعليه، فإن الحديث عن يوم القيامة ما هو إلا تسطيح. فمنطقتنا وطوال أكثر من خمسة عقود وهي تعيش في جحيم الحروب، والتخلف!

الشرق الوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى