صفحات الناس

سوريا ولبنان: التهريب في الاتجاه المعاكس/ مروان أبو خالد

 

شكل التهريب بين لبنان وسوريا مصدر رزق لآلاف العائلات القاطنة على طول المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية السورية التي يبلغ طولها قرابة 330 كيلومترا. وكان المهربون يستخدمون طرقا وممرات جبلية وعرة معتمدين على آليات مختلفة وعلى الحيوانات كالبغال مثلاً لتهريب أصناف كثيرة من السلع، بدءا من السلاح والآثار وصولاً لمختلف السلع الغذائية. ذلك إضافة إلى تهريب البشر، ولاسيما الفارين من المعارك والمطلوبين، وهؤلاء يهربون عبر الحدود لقاء دفع مبالغ مالية للمهرب.

توسّع

لم يعد التهريب مقتصراً على سكان المناطق المتاخمة والذين يحترفون التهريب بشكل متوارث، بل ظهرت فئات جديدة من المهربين الذين يستغلون ازدياد حركة العبور اليومية من وإلى لبنان، ويسافرون عبر المعابر الرسمية مهربين معهم كميات من السلع يتم تمريرها عبر الحواجز بدفع الرشى. وقد انتعش التهريب كثيراً بعد اندلاع الحرب، فالتراجع الكبير للناتج المحلي الإجمالي السوري بمقدار 40% والذي من المتوقع أن يزداد تراجعه إلى 57% خلال العام 2015، أدى إلى نقصان السلع في الأسواق السورية، ولاسيما مع تراجع حركة الاستيراد بشكل كبير بفعل العقوبات العربية والأوروبية، وهذا ما جعل الأسواق تعتمد على تشكيلة واسعة من السلع المهربة من لبنان. وفي المقابل، دفعت صعوبات الإنتاج وخطورة الأسواق في الداخل السوري كثيرين إلى تهريب منتجاتهم إلى لبنان.

تزايد الاعتماد على السلع المهربة من لبنان يتضح من خلال أرقام التجارة النظامية، ففي العام الماضي 2013 ولأول مرة سجل الميزان التجاري بين البلدين فائضاً لصالح لبنان بمقدار 6 مليون دولار، وفي الوقت الذي يصعب فيه إعطاء رقم دقيق لتجارة التهريب من لبنان إلى سورية، فإنها لا شك تبلغ أضعاف حجم التجارة الرسمية. وتعتبر قطع السيارات والأجهزة الكهربائية وأصناف الدخان الأجنبي أكثر السلع تهريباً من لبنان. ويشير بعض المهربين في مجال قطع السيارات أنه يتم إرسال السيارة من لبنان كما هي، ويستلمها أحد المهربين السوريين لتباع لمحال قطع السيارات حيث يتم تفكيكها وبيعها قطع غيار. كما تهرب الأجهزة الخلوية، وخصوصا المستعملة، من لبنان لتباع بأسعار مرتفعة في السوق السورية. وقد شهدت أصناف الدخان الأجنبي المهرب من لبنان كمانشستر، يونايتد وسيدرز، رواجاً كبيراً نظراً لانخفاض أسعارها مقارنة بسعر الدخان المحلي، فشكلت بذلك ملاذاً للمدخنين الفقراء. وبعد أن كان السوريون يهربون للجانب اللبناني، قبل الأزمة، المحروقات المدعومة حكومياً كالمازوت، بات اللبنانيون، وبفعل تراجع الإنتاج المحلي من المحروقات، هم من يهربون المحروقات للسوريين. ومنذ العام 2012 يغذي المهربون اللبنانيون السوق السورية بالغاز المنزلي.

بالة وأزهار..

ملابس البالة أيضاً من أبرز السلع المهربة من لبنان، إذ إن القانون السوري يمنع استيرادها رسمياً، وهي تشكل ملاذا للسوريين الفقراء في ظل غلاء الألبسة الجاهزة المصنعة محلياً.

وعلى الرغم من الأرقام الحكومية التي تشير إلى تراجع الصادرات السورية إلى لبنان بمقدار 31% بين عامي 2011-2013، إلا أن واقع الحال يشير إلى ازدهار هذه الصادرات تهريباً، وذلك تجنباً من جانب المصدرين لدفع الرسوم الجمركية، وهرباً من بعض القوانين التي تمنع تصدير بعض السلع والثروات الزراعية والحيوانية. فبحسب رئيس جمعية حرفي دمشق مروان دباس، فإن ما يقدر بأربعة أطنان من الأجبان والألبان تهرب يومياً إلى لبنان. وتهرب أزهار سورية إلى لبنان بعد تراجع الطلب المحلي بشكل كبير عليها، وذلك بمعدل 1.5 مليون زهرة يومياً، وفق محمد شبعاني رئيس منتجي الأزهار في اتحاد المصدرين السوريين. الأسماك أيضاً تهرب وبمعدلات كبيرة إلى لبنان، فصيادو الساحل السوري باتوا قادرين على تهريب أسماكهم إلى لبنان، في وقت يعجزون عن تصريف أسماكهم في محافظات الداخل السوري بفعل اشتعال المعارك وصعوبات النقل وسوء أحوال المعيشة التي تجعل غالبية السوريين محرومين من شراء الأسماك حتى في حال توفرها. وفي المقابل يتم تهريب أسماك مجمدة مجهولة المصدر من لبنان إلى سوريا، وهي تباع بأسعار زهيدة.

وتشهد الثروة الحيوانية من الأبقار والأغنام عمليات تهريب بالجملة ليس إلى لبنان فحسب بل إلى كافة دول الجوار، بفعل إهمال الحكومة لمصالح المربين وصعوبة تأمين الأعلاف، والتضييق على عمليات التصدير الرسمية، ما يجعل المربين لا يملكون لتجنب نفاق قطعانهم إلا تهريبها إلى لخارج.

لا شك في أن التهريب خطر يهدد أي اقتصاد وطني، ويسهم بهدر موارد مالية ضخمة على خزينة الدولة، ولكن وبعدما ابتلعت الحرب الاقتصاد السوري ودمرت قطاعاته المنتجة، فإن التهريب يحمل إيجابيات في ظل هذا الوضع، فإضافة إلى أنه يوفر فرص عمل لأعداد كبيرة من السوريين، فإنه كذلك يحقق مصالح المستهلكين المحليين للسلع المهربة، والمنتجين الذين يحاولون تجنب إفلاسهم عبر تهريب سلعهم إلى لبنان. ولا تبدو في الأفق المنظور أي إمكانية للقضاء على التهريب. فالقضاء عليه يحتاج إلى وقف الحرب ومكافحة الفساد الجمركي، وتغيير النظام الإقتصادي برمته.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى