صفحات العالم

سوريا يا حبيبتي


ياسر ابو هلالة

يزداد الشوق كلما اقترب اللقاء، وعلى رأي الشيخ الأكبر ابن عربي “كل شوق ينتهي باللقاء لا يعول عليه”. المسافة الأطول قطعها الشعب السوري، لم يبق إلا القليل، ونحن على موعد مع سورية الحرة لتنضم إلى أخواتها تونس ومصر وليبيا. والكلفة الأغلى دفعها أبناؤها وبناتها على اختلاف أجيالهم ومناطقهم ومذاهبهم وأفكارهم، في تاريخ متواصل من النضال لم يبدأ هذا العام بل من اليوم الأول لسلب السلطة من الشعب على يد عسكر البعث.سورية لم تبدأ بالبعث ولن تنهي به. لن نعود لحضارات القرون الغابرة، في سورية الحديثة، قامت دولة على أساس المواطنة، يتعايش فيها العلوي والسني والدرزي والمسيحي والكردي والعربي. الانحدار بدأ مع حكم البعث، الذي اختصر البلد في الحزب “القائد للدولة والمجتمع”، ثم تقلصت عصبية الحزب بعصبية الطائفة. ولأن العصبية تضيق ولا تتسع، اختصرت الطائفة بنظام “الأسرة”، وصارت سورية تحكمها “السلالة” الثورية من أبناء وأصهار وأخوال وأعمام، تماما كاليمن وتونس ومصر والعراق من قبل.أي مستقبل كان ينتظر سورية لو لم تتقدم طلائع البعث العربي (حقيقة لا شعارا) ويبذلوا عزيز النفوس في مواجهة أكثر الأنظمة بدائية وتخلفا ووحشية؟

من لي بحرة مثل طل الملوحي، لم تركن لطفولتها وتسلحت بمدونتها في مواجهة نظام السفاح، فلا يعرف هي في قبر أم زنزانة؟ من مثل حمزة الخطيب لا يقل عنها براءة وشجاعة؟ هم الطلائع الذين فتحوا باب السجن حتى لا يصادر مستقبل من بعدهم.من يتابع المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، لا يملك وصفا له غير مقولة ماركس إن التاريخ يعيد نفسه مرتين؛ مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مسخرة. فالوزير لا يعتبر بمن سبقوه، وكان الأجدى لو عاد لأرشيف التلفزيون السوري وسمع ما كان يردده المسؤولون الليبيون. غير أنه أصر على إمتاعنا بمسرحية هزلية طويلة، شاركه في بطولتها الصحفيون الأفذاذ من القنوات الموالية.الفصل الأخير يكتب، ولن تذهب دماء آلاف الضحايا في عهد الأب والابن هدرا. وسينعم أبناء سورية الغد بما حرم منه الآباء والأجداد في عهد الأسرة الظالمة. لن يكون الانتقال سهلا، فسورية لا تختلف عن أي بلد حكمه طغيان متماد حطم بنيان المجتمع والدولة.

ولكن الشعب السوري الذي فاجأ العالم بثورته سيفاجئ العالم مرة أخرى بقدرته على بناء الدولة من حطام. وستكتشف الأقليات الدينية والقومية نفسها في ذات وطنية جامعة. وسيعرف العالم أن لعبة “الأقلية” هي سلاح الدمار الشامل الذي استخدمته الأسرة الحاكمة لاستلاب البلد.إن العلويين هم الفئة الأكثر تضررا من حكم الأسرة الأسدية. فالظلم التاريخي الذي تعرضوا له، تكرس باستخدامهم خزانا للمؤسسة القمعية للنظام. وبدلا من أن يندرجوا في سياق تنمية شاملة ترفع عنهم إصر الجوع والجهل والخوف، استخدموا درعا للنظام. ولن ينصفهم غير مجتمع المواطنة والعدالة والتنمية والحرية. وفي سورية الغد، سيزول مصطلح “الأقلية” ليحل مكانه الخصوصية الثقافية.

وسيكون للأقلية معنى واحد كما في العالم المحترم، الحزب السياسي المعارض الذي لا يصل للحكم. تماما كما في العالم. هل يثير مصطلح “الأقلية” الديمقراطية في الكونغرس حفيظة أحد؟التحذير من حكم الإسلاميين لسورية جزء من مسخرة ماركس. فقد سبق أن حذر بن علي من “الاخونجية”، وأثبت الإخونجية في تونس أنهم الأكثر إيمانا بالتعددية والتنوع. إن الموقف العنصري البغيض من الإسلاميين هو إرث يجب أن ينتهي لأنظمة

الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى