صفحات سورية

سورية الثورة: مراجعة تحليلية في ذكرى انطلاقها


فادي عرودكي

في مثل هذه الأيام في العام الماضي انطلقت ثورة الحرية والكرامة في سورية، وقد مهّد لها إرهاصات كثيرة منفصلة ومنعزلة تعود لسنين مضت بداية بما سُمِّي بربيع دمشق في 2001، ثم إنشاء إعلان دمشق كجبهة للأحزاب المعارضة، ثم انتفاضة القامشلي في 2006، ثم اعتقال المُدَوِّنة طل الملوحي في 2009 وغيرها من الأحداث. ومع بداية الربيع العربي بدا جليّا أن السوريين معنيون تماما بما يجري، وتضامن السوريون مع أشقائهم في تونس ومصر وليبيا (واليمن المظلومة إعلاميا برأيي). وتصاعدت المطالبات بالتظاهر في سورية، فكانت أولى الدعوات للتظاهر في يومي 4 و5 شباط ولكنها لم تجدْ صدى في الشارع ما أشعر النظام السوري بأنه في معزل عما يجري. ولكن حادثة الحريقة في 17 شباط 2011 كانت رسالة واضحة أن السوريين يطوقون إلى الكرامة بعد أن علا الهتاف الشهير الذي ميّز ثورة سورية عن غيرها: “الشعب السوري ما بينذل”. ورغم أن الجميع قد تعامل مع حادثة الحريقة بأنها مظاهرة “إجتماعية” معزولة جاءت ردا على حادثة فردية من رجل أمن، إلا أنها لم تكن كذلك بكل تأكيد، بل كانت تلخيصا لحقبة سياسية عاشتها سورية في 48 عاما خَلَت، وكان الصوت مدويّا من قلب دمشق عاصمة البلاد، ومن أكثر من 1500 سوريّ قرروا تحدي السلطات.

وفي نفس هذا الوقت، كانت درعا تعيش قصة مختلفة في الشكل، شبيهة في المضمون، حيث قام أطفال إحدى المدارس بكتابة عبارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم ما أنتج ردّا عنيفا جدا من السلطات الأمنية تمثّل باعتقالهم وتعذيبهم ورفض إعادتهم لأهاليهم. وكان لهذه الحادثة دوْر هام في شحن أبناء درعا المدينة والمحافظة ضد النظام، وساعدت هذه الحادثة شباباً رائعاً كانوا يعملون خلف الكواليس لإطلاق الثورة في درعا عندما تنضج الظروف. هكذا تضافرت الجهود معا: دعوات إلكترونية للتظاهر في 15 آذار، وتخطيط من بعض شباب حوران لإطلاق الثورة في درعا في 18 آذار مستفيدين من حادثة الأطفال. وسواء بدأت الثورة يوم 15 آذار، اليوم الذي خرجت فيه أول مظاهرة تُنْسَب للثورة السورية في قلب دمشق في الحميدية لتتبعها في اليوم التالي وقفة اعتصامية أمام وزارة الداخلية، وتم اعتقال الكثيرين من الذين شاركوا في هذين النشاطين، أو يوم 18 آذار، وهو أول جمعة في الثورة السورية حيث انتفضت درعا وقدّمت أول شهيدين، الشهيد محمود الجوابرة والشهيد حسام عياش، فإن الأكيد أنه في سورية ثورة انطلقت بعكس ما نفاه النظام لأشهر عديدة، وأن هذه الثورة ستغيّر سورية وحياة السوريين .. بل وستكلّف سورية أكثر من 10 آلاف من خيرة أبنائها وبناتها، وستهجّر عشرات الآلاف، كما ستغيّب عشرات الآلاف في أقبية الظلام والاستبداد والاعتقال. في آذار 2011 انطلقت في سورية ثورة، وما زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور.

يمكننا أن نسهب كثيرا في الإشادة ببطولات السوريين وتضحيات شبابها وشاباتها في السعي لكرامتهم وحريتهم في “مملكة الصمت”، وهي بلا أدنى شك تضحيات أسطورية سيكتب التاريخ عنها كثيرا، وستُسْطَر بأحرف الذهب في كتب النضال ضد الاستبداد. ولن أكونَ متحيّزا أبدا إن قلت أن هذا النضال الذي يقدّمه السوريون الآن هو أشجع وأعظم نضالات الربيع العربي كله، إن لم يكن أميَزَها على الإطلاق في تاريخ الشعوب. وقد لا يفوقها إلا نضال الفلسطينيين الذي جاوَزَ الستين عاما، فليس من العدل مقارنة ذلك بنضال عام واحد فقط. ومع ذلك، فإن الأهم في هذه المرحلة هو تحليل الوقائع والمعطيات بتجرّد وموضوعية، وتناول مختلف المستجدات والقضايا بجرأة وصراحة بغرض قيادة هذه الثورة إلى بر الأمان، وتحقيق غاياتها وأهدافها مع الحفاظ على وحدة البلد وشعبه. إن التغاضي عن الأخطاء وتجاهل الحقيقة والمجاملة وإغماض العين كلها وصفة سحرية لإفشال الثورة وخدمة النظام وأعداء السوريين من حيث ندري أو لا ندري، لذا فإني سأسعى في هذا المقال إلى تناول بعض القضايا الأساسية في الثورة محاولا مقاربتها بالشكل الذي أعتقد أنه سيخدم الثورة وأهدافها.

أولا: متى تنجح الثورة؟

إنه من الضروري جدا أن نتذكّر الهدف الذي من أجله انطلقت هذه الثورة، ومع تحديد الهدف يمكن تحديد كل شيء آخر حتى أصغر تفصيل من تفاصيل هذه الثورة. وقد يكون هذا الهدف بديهيا يعلمه الجميع، إلا أن هوْل الأحداث وعظم التكلفة التي يقدّمها السوريون قد تحرف من تركيزنا وتضيّع الخطوط العريضة في متاهات التفاصيل. إن هدف الثورة السورية هو تحقيق كرامة وحرية السوريين (وهي فحوى الهتافات التي أطلقها المتظاهرون في دمشق يوم 15 آذار ودرعا يوم 18 آذار ثم في بقية محافظات سورية)، وسبقت هذه الهتافاتُ هتافَ إسقاط النظام الذي أُطْلِق في مرحلة لاحقة بعد أن تيّقن السوريون من استحالة تحقيق حريّتهم وكرامتهم عن طريق هذا النظام. ومن خلال الهتافات واللافتات السياسية الغالبة على المظاهرات خاصة في بدايتها، إضافة إلى الرؤى والبرامج السياسية التي قدّمتها أطراف عديدة من المعارضة، يمكن تلخيص هدف الثورة بتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية التعددية المرتكِزة على المواطنة أساسا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتحقيق هذا الهدف لن يكون إلا مرورا بإسقاط النظام. وعلى ذلك، فإن كل ما يندرج تحت الثورة يجب أن يؤدي بالضرورة إلى هذه النتيجة، وإلا فإن أي فكرة أو تفصيل تتناقض والهدف فهي بالضرورة تعمل في غير اتجّاه الثورة ومصلحة السوريين.

ثانيا: كيف تنجح الثورة؟

هناك عاملان اثنان يتحكّمان في الحلول التي ينبغي طرحها لإنجاح الثورة. الأول هو أن يصبّ الحلّ في تحقيق هدف الثورة، فأي حلّ لا يؤدي إلى سورية مدنية ديمقراطية تعددية هو ليس حلّا ثوريا مهما رُوِّج له حتى لو كان شعبيا. لا ينبغي لظرف مرحلي أو لحظة آنية أن تفرض علينا قرارات تهدم العناوين العريضة التي على إثرها وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن. لا ينبغي أبدا لأي حلّ أن يفرّط بأيّ كلمة من هذه الكلمات الأربع مقترنة: “سورية، مدنية، ديمقراطية، تعددية”! أما العامل الثاني فهو خفْض الخسائر إجمالا والكلفة البشرية للثورة تحديدا (وهذا يرتبط بالتأكيد بتقصير العامل الزمني اللازم لإنجاح الثورة). بين هذين العاملين يمكن إبداع الكثير من الحلول المرحلية والجوهرية لإنجاح الثورة، وتصوّر كاتب هذه السطور يتضمّن برنامجاً من خمس نقاط:

1-تشكيل ائتلاف معارض يضمّ الجميع بالحد الأدنى من التمثيل،

2-تقديم خطاب إعلامي سياسي يهدف بشكل رئيسي إلى استقطاب الأكثرية الصامتة وتحديدا الأقليات والطبقة المتوسطة والغنية في دمشق وحلب،

3-العمل على تسوية سياسية عن طريق الجامعة العربية أو أطراف دولية من ضمنها روسيا تهدف إلى تنحي الأسد وتشكيل حكومة وطنية بصلاحيات كاملة تضم المعارضة ومستقلين وأطرافا في السلطة لم تشارك في القتل،

4-تشكيل مجالس مدنية في مختلف المناطق الثورية لإدارة هذه المناطق ريثما تتشكّل حكومة وطنية،

5-وأخيرا الاستمرار في الدعم الإغاثي المادي الإعلامي للحراك الشعبي وزيادته بما يضمن استمرار هذا الحراك حتى تحقيق أهداف الثورة.

ثالثا: ماذا يهدّد الثورة؟

ومع ضرورة السعي إلى تفعيل الجوانب التي ستسرّع في إنجاح الثورة وتحقيق أهدافها، لا بدّ في الوقت نفسه تلافي السلبيات التي تهدّد ذلك بل ومحاربة بعضها أيضا. وبعد مضيّ عام على الثورة، يتبادى لنا ثلاث سلبيات تحرف الثورة عن أهدافها وتخدم النظام وتزيد في الكلفة البشرية. أما الأولى فهي الطائفية، وإن كانت لا تزال ظاهرة محدودة جدا قياسا على حجم الحراك الشعبي وطول مدته ومقدار العنف الهمجي للنظام والذي يهدف إلى طوأفة (من الطائفية) الحراك الشعبي المدني العابر للطوائف والأعراق. إن الطائفية التي يسعى النظام بتصرفاته لإثارتها يمكن أن تتجسّد في شعارات أو أفعال إما تتّخذ طابع تعظيم طائفة معيّنة، أو مهاجمة طائفة معيّنة، وفي كلتا الحالتين يصبح لدينا تمييزٌ بين السوريين على أساس الطائفة. هذه النقطة بالذات لها أثرٌ خطير جدا على الثورة، فهي تضرب مصداقيتها في طروحاتها وأهدافها من جهة ما يؤثّر على مشاركة شرائح كثيرة من السوريين في الثورة (سواء الذين لم يشاركوا في الحراك، أم أولئك المشاركون ولكنهم يشعرون بالتهميش) وهذا هو عكس تماما ما ينبغي فعله في هذه المرحلة لإسقاط النظام، ومن جهة أخرى تضرب الطائفية هدف الثورة في الصميم بإفراغ مفهوم المواطنة من محتواه ما يجعل مصطلح التعددية المدنية بلا معنى حقيقي، وكذلك كل الثورة، فليس الهدف الخلاص من ديكتاتورية معيّنة ليرزح السوريون تحت نير ديكتاتورية أخرى بنكهة مختلفة! أما السلبية الثانية فهي المبالغة والتضخيم والخطاب الإعلامي غير المهني. ولهذه السلبية أثر هام في تنفير الأغلبية الصامتة عن الثورة رغم امتعاض كثيرين منهم من النظام وعدم رضاهم عن أدائه بالمجمل. إن مصداقية الثورة عنصر هام في توسيع جغرافية وديمغرافية الحراك بما يؤدي إلى تعجيل إسقاط النظام، وثورتنا ثورة عادلة محقة لا تحتاج أبدا إلى تغيير في الحقائق حتى تقنع السامع. أما السلبية الثالثة فهي انقسام المعارضة وتشعّبها بل ومهاجمة بعضها البعض في أحيان كثيرة، مرة بهدف التقويم مع سوء الأسلوب، ومرات من باب المزايدة الرخيصة الهادفة إلى تسجيل نقاط ومن ثم مكاسب شخصية مؤقتة على حساب دماء الشهداء.

رابعا: المعارضة السورية

لقد أثبت طرفا المعارضة الرئيسيان المتمثلان في المجلس الوطني وهيئة التنسيق فشلهما الكامل في قيادة الحراك الشعبي، وبالتالي القدرة على تمثيل مطالبه الأساسية والانتقال بالبلاد إلى مرحلة انتقالية تلي سقوط النظام. هذا الفشل نبع من عوامل ذاتية، كان سوء التنظيم وضعف الخطاب الإعلامي والنخبوية في الطرح بعضها في هيئة التنسيق، وعدم التجانس وغياب الرؤية السياسية والشعبوية في الطرح بعضها في المجلس الوطني، كما نبع أيضا من عوامل خارجية ساهمت أطراف المعارضة المختلفة في إنتاج بعضها (مثل التحريض القائم على مغالطات كاذبة بحق هيئة التنسيق، وقيام بعض الأطراف في المجلس الوطني بإفشال الاتفاق مع الهيئة والذي كان من شأنه توحيد المعارضة) كما ساهمت أطراف عربية ودولية في البعض الآخر. نتج عن هذا الفشل انقسامات أخرى في جسم المعارضة ما يخلق أجواء تشبه التحالفات القائمة في زمن الانتخابات، وليس في حالة ثورة يستشهد فيها عشرات السوريين كل يوم! إن الفوضى السياسية التي تعتري المعارضة اليوم تتطلب من كل الأطراف أن يتحلوا بمسؤولية عالية جدا تدفعهم إلى عقد مؤتمر وطني جامع للأطراف الرئيسية في المعارضة، والتي أصبحت معروفة للجميع، على أن يُنْتِج هذا المؤتمر ائتلافا معارضا يتمثّل به الجميع بالحد الأدنى، ويتولى هذا الائتلاف تمثيل الحراك الشعبي في الخارج والتوصّل إلى تسوية سياسية لإنجاح الثورة بأقل كلفة بشرية. إن ائتلافا كهذا من الضروري أن يتضمّن أقل عدد ممكن من الأعضاء حتى يكفل ديناميكية وسرعة في اتخاذ القرارات دون الضياع في كثرة العدد وعقم النقاشات، ودون الحاجة للرجوع لمختلف التكتلات والأحزاب قبل اتخاذ القرارات.

خامسا: “الجيش الحرّ” والتدخل الخارجي

لقد بدأت ثورة الحرية والكرامة سلمية، وانتهجت النضال اللاعنفي سبيلا ووسيلة لتحقيق أهدافها. وكان هذا جليّا في الهتافات واللافتات التي طبعت أشهر الثورة الأولى. وحتى هذه اللحظة، فإن الغالبية الساحقة من الحراك الشعبي ما زالت سلمية تجابه العنف والرصاص والصواريخ بالصدور العارية. ولكن مع اشتداد وطأة هذا القمع الهمجي اضطر البعض لحمل السلاح دفاعا عن النفس، وهذا مفهوم بل ويعتبر حقا شرعيا لمن يُهَدَّد في ماله وعرضه ونفسه. كما أن شدة هذا العنف واكتشاف كذب النظام من قبل المجنّدين في الجيش النظامي دفع الكثيرين منهم للانشقاق في موقف بطولي وطني أخلاقي إنساني يحترم القسم الذي أقسموه عندما قرروا لبس البدلة العسكرية، وكلّف هذا الموقف الكثيرين حياتهم. إن الرد على هجوم من عناصر النظام في حالة معزولة وإن تكررت أمر مفهوم، ولكن تنظيم هذه الظاهرة والدعوة إليها وتوسيعها هي موضع النقاش هنا.

إن التاريخ يقول أنه لم يستطع السلاح غير المدعوم من الخارج التغلّب على نظام استبدادي في الوطن العربي، فشلت الثورة المسلّحة في سورية، وفشلت في الجزائر، وفشلت في العراق. وإن العقل يقول أن الجنوح إلى المواجهات العسكرية تزيد من الكلفة البشرية وتطيل من مدة الصراع، ورأينا هذا جميعا في بابا عمرو قبل أيام قليلة، بينما تكون الكلفة البشرية للنضال اللاعنفي أقل بالمقارنة. لذلك، فإن قيام جماعات منظّمة بمواجهة النظام بالسلاح سيؤدي إلى نتائج عكسية بسبب عدم التكافؤ المطلق عددا وعدة وعتادا. ولا يمكن لهذه المواجهة أن تنجح إلا بدعم خارجي أساسي وكبير مباشر أو غير مباشر، وبغض النظر عن رأينا بهذا الدعم فإن هذا الخارج لا يرغب أصلا بتقديمه رغم طَرْق أبواب عدة وبطرائق عديدة. وعلى هذا، ومع غياب احتمال التدخل الخارجي في المدى المنظور، فإن النضال المدني اللاعنفي يبقى الوسيلة الأفضل والأنجع في دفع هذه الثورة إلى الأمام. أما الجنود المنشقّون المنضوون في تنظيم هلاميّ الهرمية والتكوين يُعْرَف بالجيش الحر، فإن تضحياتهم محلّ تقدير جمّ، وينبغي عليهم كلّ حسب تواجده الجغرافي التنسيق مع القيادات المدنية لمختلف المناطق بحيث ينحصر دورهم في تأمين المظاهرات وتولي مهمة حفظ النظام في المناطق الثائرة والالتزام بذلك حصرا.

سادسا: علاقة الثورة بالخارج

وفي ضوء كل ما سبق، فإن علاقة مكوّنات الثورة المختلفة مع الخارج يجب أن تصبّ بلا أدنى شك في مصلحة الثورة ومصلحة البلد بالضرورة. من الهام جدّا التواصل مع مختلف دول العالم (عدا الكيان الصهيوني) لعرض تضحيات السوريين ومطالبهم والحصول على الدعم السياسي الدبلوماسي والإغاثي الإنساني. ومن الهام جدا بناء علاقات مع الدول المحورية ذات الثقل بهدف الضغط على النظام وربما إجباره على تقديم التنازلات التي تؤدي إلى تنحيته عن الحكم، وأخص هنا روسيا والصين وحتى إيران إن أمكن. ومع ذلك، يجب أن تبقى هذه العلاقات في حدود المصلحة السورية دون أن ترهن السوريين لمصالح الغرب والشرق، وتجرّهم إلى اصطفافات محاور يخوضون من خلالها حربا فيما بينهم بالوكالة تصفية لحسابات دول مع دول. كما يجب أن لا تؤثّر هذه العلاقات على النسيج الاجتماعي السوري ووحدة ترابه وشعبه حتى لو كان ذلك على حساب حليف إقليمي. يجب أن يعلم السوريون أن من مصلحة الغرب والكيان الصهيوني (وبعض الأطراف العربية والإقليمية) إطالة عمر النزاع في سورية لاستنزاف مواردها وإضعاف مكانتها وإشغالها بنفسها عن قضايا المنطقة، فبالنسبة لهم سورية غير مستقرة أفضل من سورية ديمقراطية أو سورية يحكمها نظام قوي. وبالتالي، ينبغي أن لا ينتظر السوريون الكثير من الخارج، وعليهم أن يسعوا لإنجاح ثورتهم بأنفسهم وجهدهم الذاتي، وهكذا عادة تحرّر الأوطان.

وختاما، لقد أطلق السوريون ثورتهم قبل عام وهم يعلمون يقينا أن النظام السوري لن يتوانى في القتل والتنكيل والكذب والترهيب في سبيل قمع انتفاضة السوريين، ولقد ضحوا كثيرا منذ انتفضوا ومع ذلك لم يتراجعوا بل شهدت ثورتهم اتساعا جغرافيا وتصاعدا عدديا طرديا منذ بدئها. لقد أيقن السوريون أن طريق الرجعة مكلف أكثر من المضيّ قدما، فعزموا على الاستمرار حتى إسقاط هذا النظام وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، ورسموا في طريقهم أبهى صور التضامن الوطني والتكافل الإجتماعي والإبداع الفكري والرقي المدني في أقسى اللحظات وأكثرها إيلاما. وكلي ثقة أن السوريين سيحسمون ثورتهم لصالحهم، وبما يناسب مصالحهم فقط، لا مصالح أي دولة أخرى مهما قَرُبَت أو بَعُدَت. أراهن على السوريين، ولم أخسر رهانًا عليهم بعد، وفي قلبي يقين أني لن أخسر هذا الرهان أيضا. عاشت سورية حرة، والرحمة لشهداء الحرية والكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى