زين الشاميصفحات سورية

سورية … النظام يتخلخل شيء ما داخل الطائفة


زين الشامي

لم يكن مفاجئا ان يعلن رئيس عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة إن الانتفاضة وحركة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت قبل نحو 15 شهرا في سوريا قد تحولت إلى «حرب أهلية كاملة». ان ذلك كان متوقعا بعد عدد من المجازر التي ارتكبت في بعض مناطق الاحتكاك الطائفي في حمص وحماة واللاذقية، حيث تتداخل الديموغرافية السورية الطائفية والاثنية بشكل رائع كما هو حال بقية المناطق، لكنه التداخل الذي بات مؤلما ودمويا اليوم بعد اصرار النظام السوري على الاستمرار في خيار العنف حتى النهاية وعمله على اشعال الصراع الطائفي بغية حرف طبيعة الانتفاضة الشعبية عن مسارها وتصوير الوضع في سوريا على انه صراعا طائفيا تقف وراءه «مجموعات ارهابية مسلحة».

ان الاعلان ان سوريا دخلت مرحلة «الحرب الاهلية» لا يعني ابدا ان هناك اقتتالا طائفيا او دينيا او اثنيا بين السوريين بقدر ما يعني بلوغ الصراع العنيف بين المعارضة المسلحة والمنشقين وما بين قوات النظام مرحلة متقدمة في الآونة الاخيرة تجلت في وصول المعارك الى قلب العاصمة دمشق، وبعد معلومات وتقارير تحدثت عن وصول اسلحة جديدة وكميات اكبر للجيش السوري الحر. وقد رأينا كيف ان المعارضة المسلحة استولت على كتيبة صواريخ في منطقة «الغنطو» قرب حمص، وانتشار العشرات من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر قيام المسلحين بتدمير عدد من دبابات الجيش السوري في اكثر من مكان، هذا عدا عن سيطرتهم شبه الكاملة على مناطق واسعة في ادلب وحمص وحماة وبعض مناطق حلب ودير الزور وريف دمشق. وقد عكس هذه التطورات الميدانية الدراماتيكية اضطرار النظام الى استخدام طائرات الهيلوكبتر الحربية في معاركه ضد مقاتلي الجيش الحر.

هذا كله يأتي متزامنا مع ازدياد كبير وملفت في اعداد قتلى الجيش السوري وضباطه، وقد لوحظ في الآونة الاخيرة ان وكالة الانباء السورية باتت تنشر حصيلة اكبر لعدد هؤلاء القتلى، ففي احدى المرات وصل عددهم الى 59 شخصا ومرة الى نحو 40 شخصا، اما في اغلب الايام فلا ينزل الرقم عن العشرين ضابطا وجنديا.

هذا كله ادى الى مزيد من خسارة التأييد للنظام والرئيس بشار الأسد، وبدأت الفئة «الصامتة» تعبر عن استيائها ويعلو صوتها اكثر منتقدة النظام والرئيس الذي لم يستطع حسم الامور على الارض، لا بل انه بات يخسر ميدانيا بعد ان اعلن قبل نحو خمسة اشهر انه يسيطر على الارض فيما المعارضة و«المتآمرون على سوريا يسيطرون على الفضاء»، وذلك في اشارة وسائل الاعلام التي تغطي وقائع الاحتجاجات الشعبية ولا تخفي تعاطفها مع المنتفضين.

التذمر تسرب أيضا، وهو ما كان متوقعا، الى داخل الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس بشار الأسد، بعكس ما كان يشاع سابقا عن تأييد كامل له داخل تلك الطائفة ولخياره العنفي. فبعد مجزرة «الحولة» في حمص و«القبير» في حماة، هناك الكثير من ابناء الطائفة العلوية ممن استنكروا ودانوا لجوء النظام ودعمه هذه التوجهات القذرة والمخيفة على المدى البعيد لمستقبل ابناء الطائفة ومستقبل التعايش الوطني بشكل عام. أيضا فإن ازدياد عدد الضحايا من ابناء الطائفة المنخرطين في الاعمال القتالية اليومية على مدار اكثر من عام تسبب في تزايد مشاعر التذمر والاستياء والتعب النفسي والجسدي ايضا.

بناء عليه لا نستغرب ان تنشر صحيفة مثل «نيويورك تايمز» الاميركية تقريرا يتحدث عن الانقسام داخل الطائفة العلوية على لسان أحد العلويين يقول فيه ان جزءا من ابناء الحي الذي يسكن فيه منطقة بانياس في طرطوس «مكتئب وحزين لما يقوم به النظام، والجزء الآخر هم ببساطة وحوش» ويقصد هذا هنا الشخص هنا القاعدة العلوية وغالبيتهم من المتطوعين بالجيش والملتحقين بالمؤسسات الامنية من الذين لم يتلقوا تعليما جيدا، ففي حي «الزهرة» في حمص على سبيل المثال هناك هتافات مناوئة للرئيس بشار الأسد، ليس بسبب لجوئه الى خيار العنف بل بسبب ضعفه وعدم قدرته على الحسم السريع مقارنة بوالده.

اما على مستوى النخبة المثقفة وحتى الدينية منها، فهناك ثمة خشية وقلق من احتمال انتقام المعارضين من المسلمين السنة في المستقبل خصوصا وان هذه النخب تنظر الى ان نهاية النظام ليست ببعيدة. أيضا فإن مبعث استياء هذه النخب ينبع من وعي كامل بمخاطر الحرب الاهلية على مستقبل كل ابناء الطائفة وعلى السوريين عموما ومستقبل سوريا ذاتها ككيان سياسي واجتماعي تاريخي.

اما طبقة الضباط العلويين الذين يشكلون غالبية قيادات الجيش والأجهزة الأمنية، فالغالبية منهم، حسب ما اخبرني صديق علوي متورطون في القمع والفساد، ولا يتوقع من هؤلاء أن يتراجعوا لأن ذلك سيكون بمثابة انتحار لهم ونهاية لمستقبلهم العسكري والمالي.

حقا ان الصورة داخل الطائفة اكثر من معقدة، ففي الوقت الذي تعتبر غالبية الضباط ملتحقة بالنظام، رأينا في مناسبات عدة سابقا كيف ان بعض رجال الدين من الطائفة اصدروا بيانات أعلنوا فيها براءتهم من «الأعمال الوحشية» التي يقوم بها النظام السوري بحق المحتجين، ومؤكدين في الوقت نفسه أن «نظام الأسد لم ولن يمثل طائفتهم في أي حال من الأحوال».

لكن وبشكل عام، فإن هذا الواقع داخل الطائفة العلوية، والسيطرة المتسعة باطراد للمعارضة المسلحة على جغرافية واسعة من الاراضي السورية، اضافة لتصاعد حدة الاصوات على المستوى الدولي المطالبة بالتدخل لحسم الامور في سورية، والمحذرة بنفس الوقت من دخول سورية في محلة الحرب الاهلية يعطي اشارات مهمة عن مصير النظام الذي كان يوصف يوما بالحديدي.

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى