صفحات سوريةمحمود زعرور

سورية امام اهم تحديات التغيير في تاريخها الحديث

 


محمود زعرور

يبدو أن الحلم بالتغيير الذي راود الشعوب العربية طويلا، وعبر عقود ممتدة، ومر بمراحل انكسارات مختلفة، في أكثر من بلد عربي، ها هو الآن يبدأ مرحلة جديدة، تتسم بالتماهي مع منطق التاريخ، ليعيد الاعتبار إلى قيمه وضروراته.

لقد مثل الواقع العربي، سياسياً، حركة شاذة، واستثنائية، في صورة عالمنا المعاصر، تجسدت بغياب الحرية والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان.

فسادت أنظمة حكم تسلطية، من نمط نظام الحزب الواحد، حيث تم تعليق العمل بالدساتير، وأعلنت حالة الطوارئ وقانون الأحكام العرفية، وأصبحت المحاكم العسكرية والاستثنائية المؤقنة بديلاً دائماً للقضاء العادي، وهيمنت فئات اجتماعية متحالفة مع الحكومات على مصالح وثروات الشعب وأموال البلاد العامة، بتواطؤ تام علني فاضح وبدون رقابة أو مساءلة، من (مجالس نيابية) أتت بتزوير مكشوف في انتخابات شكلية لا قيمة لها. إن التغيير الذي أنجزته ثورتا الشعب التونسي والمصري، وبدأ به الشعب الليبي واليمني

هو شكل من أشكال إزاحة نظام الاستثناء، الذي دام بفضل سلطات القهر ودشن، بالتالي مرحلة بنائية جديدة تعيد صياغة واقع سياسي بديل ومختلف، من أجل الدخول في عصر الحداثة، حيث نظام الحريات والديمقراطية والعمل بمبادئ حقوق الإنسان.

ولأن الحلم بالتغيير، كما قلت أولاً، يبدأ مرحلة جديدة تعيد الانسجام لمنطق العصر، وتعيد الواقـــــع مجدداً إلى الامتثال إلى ضرورات التاريخ، كان لا بد لسورية، كذلك، أن تدخـــل مرحلة البدء بالتغيير، من أجل استعادة مغامرتها الديمقراطية التي تم كسرها والقطع معها في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.

إن الانتفاضات المختلفة التي عمت المدن السورية كدرعا ودمشق وحمص وبانياس وغيرها، ما هي إلا بدايات الثورة الشاملة، من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية.

إن الشعب السوري، وهو ماض على طريق المطالبة بحريته، سيواجه تحديات مختلفة، لكنها لن تكــــون خارجــــة عن المزاعم المكررة، والذرائع القســـرية، من أجل تشويه نضاله، والحد من نجاحاته. ولقد بدأت تلك المزاعم، بالفــــعل، ولم تتأخر عن الصدور نوبات التشويه الإعلامي، فتم التحدث عن (جماعة من المندسين)، وكذلك هبت بعض الأصوات منددة بما سمته

(أجندات خارجية) أو مهاجمة الناشطين ومقاضاتهم بذريعة (النيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية وتعكير العلاقة بين عناصر الأمة) من أجل إضفاء الشرعية على مزيد من القمع، حيث التكرار الممل والمفضوح لما تم سماعه في كل من مصر وتونس، وكذلك تالياً، في ليبيا واليمن، مما يدل على تجاهل الدروس الحية رغم بساطتها ووضوحها.

لكن التحدي الأكبر، والذي سيمثل الرد الصحيح على تلك المزاعم هو العمل على التحــــرك الشامل، الذي لا يســـتثني أحداً، ويضم كل مكونات الشعب السوري القومــــية والدينية، التي تحمل الطموحات والأهداف نفسها، والمتجســــدة بالدولة المدنية، دولة المواطنة الحديثـــة والعصرية، فسورية لكل أبنائها.

إن الأنظمة العربية الديكتاتورية التي أنتجت الاضطرابات الاجتماعية والاثنية، وشجعت على التفرقة الطائفية، وشرعنت الفساد والجريمة، وتخلق كل أسباب الهجرة وتفاقمها،

تنتج، كذلك، وفي الوقت نفسه، الظرف المناسب للثورة عليها، وتهيئ كل المناخات لبدء حركات التغيير الشاملة.

إن ثورات الشعوب العربية، وجدت، وستجد الدعم الدولي الكفيل بمساندتها، لأن الاستقرار الكاذب الذي رفعته الأنظمة وتباهت به أمام العالم، لم يكن إلا استقراراً قائماً على القهر وإدامة عالم الصمت.

‘ كاتب سوري مقيم في هولندا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى