صفحات العالم

سورية بدون الأسد

 موفق محادين

ابتداء عندما اندلعت الأزمة السورية، انساقت أوساط واسعة الى حملة اعلامية منظمة تتوقع سقوط الأسد بعد أيام أو أسابيع أو أشهر، وقد كتبت أكثر من مرة أن أكثر من عيد للفطر والأضحى، وأكثر من رمضان سيمر دون أن يسقط الأسد وكانت اقلية محدودة تشاطرني ذلك.

وأكرر اليوم أن سقوط الأسد ليس وشيكا، لا بعد أسابيع ولا أشهر ولا سنوات، وليس لذلك أدنى علاقة برغبة أو مخاوف، بل بالمعطيات نفسها. وبصرف النظر عن الموقف السياسي نفسه ناهيك عن أنه بقدر ما زاد تدفق الجماعات المتطرفة الخارجية (عرب وأفغان وأتراك وأكراد وبوسنة وأفارقه وشيشان … ألخ بقدر ما زادت خسائرهم (بين عشرين الى ثلاثين ألف حتى الآن) وبقدر ما زاد عدد المجندين في الجيش السوري وازدادت تجربته القتالية على حرب العصابات (نصف مليون عسكري)، ومثلهم نصف مليون تحت السلاح من الجيش الشعبي مع النظام.

مما يؤثر في معركة طويلة يمتد حريقها الى كل الملفات الإقليمية من حزب الله إلى خطوط ومصادر النفط والغاز، إلى أحواض الماء في اليرموك والجولان وشبعا الى مشاريع التسوية (الاسرائيلية) إلى الملف النووي الإيراني … ألخ، وذلك غير التجاذبات والاصطفافات الدولية والاقليمية وخاصة الموقف الثابت لروسيا والصين ودول البريكس واليسار الحاكم في أمريكا اللاتينية مقابل تحالف واسع، أيضا ضد سورية ويشمل الامريكان والدوائر الأطلسية والرجعية ، وجماعات الاسلام الأمريكي والبريطاني وأوساط من الفرنكفونيه الثقافية الفرنسية واختراقاتها العربية.

بالمقابل فإن سيناريو سقوط الأسد يقودنا إلى فرضية مؤكدة مجربة وفق قراءات صهيونية لمفكرين مثل: برنار لويس ودانيال يايبس وغيرهم في مطابخ اليهودية العالمية ومشروع الشرق الأوسط الجديد، والفوضى الهدامة لربيع الإسلام الأمريكي والبريطاني، ووظيفته في تمزيق الشرق العربي ودوله الى كانتونات طائفية أو جهوية متحاربه فحسب لويس وبايبس، فإن شعار (ارحل) واسقاط الأنظمة والبكاء على حقوق الانسان ومنظماته ومراكزه والحراك الشبابي والاعلام المجتمعي وفضائياته ومنابره يقود حتما الى اسقاط وتحطم الدول وتمزيقها واغراقها في حروب داخلية باسم الديمقراطية وتداول السلطة، وتستند المطابخ اليهودية وفلاسفتها الى هشاشة المجتمعات وعدم توفر الشروط الموضوعية للاندماج المدني فيها، فلا تنهض على انقاض الأنظمة المنهارة بدائل مدنية مركزية ديمقراطية بل الفوضى والخراب.

انطلاقا من ذلك وأيا كان موقفنا من أية سلطة مركزية، فمن ينكر أن رحيل عرفات مثلا كان إيذانا برحيل مشروع السلطة برمته وكذلك الحال مع العراق بعد صدام ومع ليبيا بعد القذافي وكذلك سورية بعد الأسد.

ومن المفهوم ان ذلك لا يعني توفير غطاء لأي زعيم وتبييض صفحته ظالما أو مظلوما، والتقليل من مسؤوليته عما آلت إليه بلده، بل التمعن في هذه الظاهرة (العربية) والذهاب إلى (تسويات تاريخية) تؤمن انتقالا بطيئا وتدريجيا يحافظ على وحدة الدولة والمجتمع ويقطع الطريق على مشروع الفوضى الهدامة وأدواتها وأهدافها والأصابع الصهيونية التي تديرها وراء الفضائيات والصناديق والمحافل العربية والأطلسية المعروفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى