صفحات العالم

سورية بشار الأسد عند مفترق طرق

 


إيال زيسر

لقد أمل الرئيس السورى بشار الأسد بألا تتأثر سورية بموجة الثورات العربية، إذ قال بثقة، فى مقابلة أجرتها معه صحيفة «وول ستريت»، إن «سورية ليست مصر ولا تونس»، وإن نظامه بعكس نظام كل من زين العابدين بن على وحسنى مبارك، ويحظى بتأييد الشعب السورى بفضل موقفه الشجاع فى مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.

لكن فى 18 مارس الماضى اشتعلت النار فى سورية وما زالت مشتعلة حتى الآن، وقد باءت جهود النظام السورى فى إطفائها بالفشل. ففى أعقاب صلاة الجمعة فى ذلك النهار خرج آلاف المصلين من المساجد فى كل أنحاء سورية للتظاهر مطالبين بالحرية، واشتبكوا مع قوات الأمن السورية التى سارعت إلى إطلاق النار عليهم، الأمر الذى أدى إلى مقتل العشرات منهم.

لقد تلقى النظام السورى صفعة عندما خرجت هذه التظاهرات فى أنحاء سورية، لكنه بقى متماسكا ومستعدا للرد بحرب لا هوادة فيها. وقد أثبت هذا النظام خلال الأسابيع الأخيرة قدرته على تجييش مئات الآلاف من المتظاهرين المؤيدين له، والذين جمعت أجهزة الاستخبارات الجزء الأكبر منهم بصورة منظمة للتظاهر تأييدا للنظام.

 

إن النظام فى سورية يحظى بتأييد مطلق من جانب الجيش والأجهزة الأمنية السورية التى لم تتردد فى تفريق المتظاهرين بصورة وحشية وإطلاق النار عليهم، وذلك بعكس الجيشين المصرى والتونسى اللذين رفضا إطلاق النار على المتظاهرين. وفى الحقيقة، فإن ضباط الجيش السورى الذين هم فى معظمهم من أبناء عائلة الأسد ومن عشيرته وأبناء طائفته، يعلمون جيدا أن المتظاهرين فى سورية يطالبون أيضا برأس قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وفى حال سقط الأسد فهم سيسقطون معه، وذلك بعكس ما حدث فى مصر عندما انتقلت السلطة من مبارك إلى وزير الدفاع الذى تحول إلى شخصية محبوبة لدى جمهور المعتصمين فى ميدان التحرير.

وفى 30 مارس، بعد مرور أسبوعين على وصول موجة الاحتجاج إلى سورية، ألقى بشار الأسد خطابه أمام مجلس الشعب المؤيِّد له بجميع أعضائه. لقد أراد بشار أن يُظهر ثقة بنفسه فى مواجهة المعارضين له، وسارع فى اعتبار ما يحدث فى سورية مؤامرة تشارك فيها إسرائيل ودول غربية وعربية، كذلك اتهم وسائل الإعلام بالوقوف ضد سورية والسعى لتفكيك الدولة.

إن أهمية خطاب الأسد لا تكمن فيما تضمنه، أى محاولته حشد التأييد له على قاعدة العداء لإسرائيل، وإنما تكمن فيما لم يتضمنه. إذ على عكس الزعماء العرب الآخرين الذين خسر بعضهم منصبه، فى حين يحارب البعض الآخر دفاعا عن هذا المنصب، رفض الأسد تقديم أية تنازلات أو تعهدات غامضة بالتغيير أو بالإصلاح. وفى اليوم التالى للخطاب، أُعلن فى دمشق تشكيل عدد من اللجان مهمتها البحث فى إمكان إلغاء قانون الطوارئ المعمول به فى الدولة، لكن هذه الخطوة ليست ذات أهمية لأن تغيير هذا القانون أو ذاك لن يغير الصورة ويمنح الحرية لسكان هذه الدولة.

لقد بدأ واقع جديد بالظهور فى سورية التى كانت تعتبر الأكثر استقرارا وقوة من الدول العربية كلها. لقد نجح النظام فى السيطرة على ما يجرى، وفى إخراج الجماهير إلى الشوارع للتظاهر تأييدا له، لكن يوم الجمعة هو يوم مخصص للمتظاهرين المعارضين الذين يخرجون من المساجد للتظاهر.

يمكن القول بصورة أكثر وضوحا إن النظام السورى نجح حتى الآن فى مواجهة الطوفان الذى أسقط النظام فى كل من تونس ومصر، وحافظ على وحدته وسيطرته على الأجهزة العسكرية والأمنية. لكن على الرغم من ذلك لم ينجح فى إطفاء النار التى ما زالت مشتعلة ولو بنسبة ضعيفة، ولا سيما بعد صلاة يوم الجمعة فى المساجد.

ما زالت حركة الاحتجاج فى سورية محدودة، وما زال المتظاهرون لا يتجاوزون بضعة آلاف، وما زالت مراكز الاحتجاج فى الضواحى، كذلك لا يزال ملايين السوريين من سكان المدن الكبرى مثل دمشق التى يبلغ عدد سكانها 5.5 مليون نسمة، أو مدينة حلب التى يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة يراقبون ما يجرى من دون المشاركة فى التظاهرات.

يقطن فى المدن السورية الكبرى نحو نصف عدد سكان سورية، وأغلبية هؤلاء السكان من السنة، وهم الذين سيحددون مستقبل النظام. ففى حال قرروا المشاركة فيما يجرى سيكون من الصعب أكثر فأكثر على الأجهزة الأمنية الواقعة تحت سيطرة أبناء الطائفة العلوية، طائفة الرئيس الأسد، قمع التظاهرات، لكن فى حال بقى هؤلاء الملايين من السكان يتفرجون على الأحداث من بعيد، فمن السهل على النظام قمع حركة الاحتجاج.

لقد امتنع أبناء الأقليات الأخرى فى سورية، التى تشكل نحو 40 ٪ من عدد سكان الدولة، من المشاركة فى التظاهرات حتى الآن. إذ سكت جبل الدروز ومعه أبناء الطائفة الدرزية من سكان سورية الذين يشكلون نحو 5٪ من مجموع السكان، وبقيت هادئة المنطقة الشمالية الشرقية التى يقطنها الأكراد الذين يشكلون 10 ٪ من مجموع السكان، كذلك يفضل المسيحيون الذين يشكلون 13 ٪ من مجموع السكان عدم المشاركة فى تظاهرات الطائفة السنية لدى خروجها من المساجد، أمّا أبناء الطائفة العلوية فيشكلون نحو 12٪ من مجموع السكان.

إن السؤال المهم الذى يطرح نفسه هو ليس فقط ما سيحدث فى سورية فى الأسابيع المقبلة، بل أيضا إلى أين ستتجه هذه الدولة فى المستقبل القريب. وهنا تجدر الإشارة إلى أن موجة الاحتجاجات التى وصلت إلى سورية لم تستطع أن تحقق ما حققته هذه الموجة فى تونس ومصر، وأن تؤدى إلى انهيار النظام السورى، لكنها نجحت فى زعزعة أسس هذا النظام، وستبقى مثل جذوة متقدة تواصل إشعال نار الاحتجاج من تحت الأرض. لم تعد سورية الدولة الأكثر استقرارا فى الشرق الأوسط، وهى ستشهد مواصلة للاحتجاجات فى أيام الجمعة، إذ سيبقى النظام مدعوما من قسم من الشعب السورى ومن الأجهزة العسكرية والأمنية، فى مقابل جزء كبير من الشعب سيستمر فى التعبير عن احتجاجه على هذا النظام. ومن الصعب معرفة ما سيجرى فى النهاية، لكن غالبا ما تنتهى مثل هذه النزاعات ملطخة بالدماء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى