صفحات سورية

سورية بعد خطاب الرئيس

 


أحمد شاهين

ظهر الرئيس السوري بشار الأسد، للمرة الثالثة، بعد اندلاع الانتفاضة السورية، ليتحدث الى المواطنين السوريين، عبر أكاديميين جمعوهم له على مدرج جامعة دمشق. ووصف ما يحصل في سورية بأنها ‘حوادث شغب وترويع للمواطنين’. وأكد الأسد وجود مؤامرة تستهدف مواقف سورية، وقال ان ‘الضغوطات تستهدف دور سورية المقاوم لمخططات التقسيم الطائفي في المنطقة’. وقسم الأسد ‘عناصر الشغب’ الى ثلاثة مكونات: المكون الأول، مواطنون وطنيون طيبون لهم مطالب محقة ويتظاهرون سلميا من أجل إشهار مطالبهم، والمكون الثاني مخربون مجرمون مدانون بأحكام قضائية، من دون أن يحدد نوع الادانات والتهم المحكومين بموجبها، وذكر أن عددهم يبلغ أكثر من 64 ألف شخص، وهم مسلحون، وهذا العدد يوازي خمس فرق عسكرية، أي جيش كامل، والكلام للرئيس الأسد، وقال ‘أنه فوجئ بهذا العدد’. وهؤلاء، والقول للأسد، يستغلون تظاهرات الناس الطيبين ليعتدوا على عناصر الأمن والجيش، أما المكون الثالث فهم فئة قليلة العدد لكنها فعالة، وهي فئة من السلفيين الذين ينشرون بين الناس عقائد عصور غابرة غرضها إثارة الفتنة (نص خطاب الأسد على موقع الوكالة العربية السورية للأنباء، 20 6 2011). وأوضح الأسد أن الجيش يستهدف في عملياته التي يقوم بها هؤلاء المخربين، ودعا المواطنين الى الاطمئنان بأن الجيش لا يستهدفهم، وطلب ممن هجروا قراهم وبلداتهم في منطقة جسر الشغور الى الجانب التركي بالعودة الى ديارهم وطمأنهم بأنهم لن يتعرضوا لأي محاسبة.

لكن على من تلقي مواعظك في نظام يشكل التخويف أحد ركائز السلطة والسيطرة فيه. فقد ذكر الأسد نفسه، في خطابه الثالث، أنه منذ نحو سنتين أعطى توجيهات لكل السفراء بالخارج ‘أن يبدأوا بإعطاء جوازات السفر للمطلوبين.. عدد كبير من هؤلاء كان يشعر بالخوف ولم يذهب للسفارات لاستلام جواز السفر’، وأضاف الأسد ‘مازال هناك نوع من الخوف يمنع الناس من المبادرة تجاه مؤسسات الدولة، وهذا الخوف يشعرهم بوجود الظلم أحيانا’. ولم يعلق الرئيس الأسد على مستوى الخوف الذي زرعه نظامه ونظام والده في قلب المواطن السوري.

 

لعبة الوقت في بلد الخوف

 

إذا كان الرئيس نفسه يتحدث عن خوف المواطن السوري من الذهاب إلى سفارة بلده في الخارج للحصول على جواز السفر، فكيف حال هذا المواطن داخل البلد مع وجود كل أجهزة الترهيب الأمنية، والقوانين التي تهدد حياة المواطن، وتحمي القائمين على زرع الرعب. وعلى سبيل المثال القانون 49 المتعلق بحالة الاخوان المسلمين، يقرر إعدام الانسان لمجرد انتمائه إلى حركة سياسية. مع كل ذلك، اكتشف الرئيس السوري ‘أنه محبوب’، حيث عبرت له عن هذا الحب ‘الوفود الشعبية’ التي زارته للاطمئنان على وضعه بعد الاشاعات التي أثيرت، من غير أن يذكر حول ماذا تركزت تلك الاشاعات، ونسي الأسد الابن أننا في سورية أبناء ثقافة علمتنا إياها جداتنا تقول ‘اليد التي لا تستطيع عضها، قبلها وادع عليها بالكسر’. والرئيس الأسد، بعد التواصل مع تلك الوفود التي عبرت عن حبها له، والاستماع إلى همومها وشكاواها، قرر ‘تحويل هذا الحب إلى عمل’، وذلك من خلال تشكيل لجنة تنسيق تتولى ‘ادارة حوار وطني’ يتناول مستقبل سورية. وأعلن مسبقا أن نتائج هذا الحوار سيكون ‘دروسا’ للآخرين في الديمقراطية، التي قال عنها وزير خارجية الأسد السيد وليد المعلم، في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد يومين على خطاب الأسد ليشرح للعالم ما خفي عليهم من مضمون خطاب الأسد، أن النتائج ستعلم العالم دروسا في الديمقراطية. وطلب المعلم منح السلطة الوقت لترتيب أمور هذا الحوار الوطني، حيث ‘لا يمكن سلق الدستور’، حسب قول المعلم، الذي نسي أن الدستور قد ‘سلخ’ يوم ترتيب وراثة ‘الولد’ لأبيه.

من سيحاور من؟ وعلى أي الموضوعات سيكون الحوار؟ ويتساءل الأسد حول موضوعات الحوار وأطرافه والمعايير التي تحكم هذا الحوار الذي: سوف وسوف، والتسويف لغة يعني المماطلة. هذا في الوقت الذي تزرع فيه دبابات السلطة وشبيحة آل الأسد/ مخلوف الرعب في مدن وقرى سورية، كما تتار هولاكو حيث حلوا، بينما حناجر المتظاهرين الذين لجأوا إلى عتم الليل تصرخ ‘الشعب يريد إسقاط النظام’.

وكان لحضور حرف التسويف في خطاب الرئيس الأسد أهمية أساسية أكثر مما عرضه عن علومه الجرثومية، وعن الكيفية التي سيعمل بها لاكتساب المناعة، والتسويف، كما قلنا، يعني ‘المماطلة’، وهو ما يبغيه فعلا الأسد الابن وأركان سلطته، فهو يلعب لعبة الوقت إلى جانب الترهيب الذي هو عنصر سلطته التي أسسها والده على هذا المبدأ، حيث كل ما يعنيه الحفاظ على سيطرة آل الأسد/ مخلوف على سورية ومقدراتها.

تتلخص في لحظات ذروة الانفعال الشعبي السياسي، بالمعنى الشامل لكلمة سياسي، مضامين التحليل السياسي في شعارات مختصرة تلخص المعنى والمطلب الذي يجب تحقيقه. وفي سورية، حيث كسر المواطن السوري حاجز الخوف، وقرر المشاركة في صياغة حياته وضمان كرامته، كان شعار ‘اسقاط النظام’ هدفا واضحا، والأمر في هذا المطلب ليس ضد بشار الأسد كشخص، إنما هو يهدف لتغيير طريقة إدارة السلطة في سورية، حيث النظام الحالي، على الرغم من عنوانه الجمهوري، يعمل في خدمة عائلة. ففي بلد لا يجرؤ أحد على سؤالك عما يحويه الكيس الذي تحمله، إذا كان الكيس يحمل عنوان إحدى شركات رامي مخلوف، ابن خال الرئيس، لا يمكن أن يكون المطلب إصلاح النظام، بل وجوب تغييره.

إن الانتفاضة في سورية تطرح باختصار شديد مسألة السلطة، والتداول عليها سلميا، باعتبارها المسألة المركزية، بينما خطاب الرئيس السوري، وشراح مضمون الخطاب، يبحثون في مسألة كيفية ‘إقناع’ المواطنين بالرضوخ مرة أخرى لسلطة آل الأسد/ مخلوف، بالدبابات، أو بالحوار الوطني. فالمواطن السوري مع الانتفاضة ومطالبها ارتقى إلى مستوى مفهوم الوطنية باعتبارها ‘جغرافيا’ تحت شعار ‘يد واحدة’ بينما لا يزال رأس السلطة وأفراد عائلته يتعاملون مع سورية والسوريين كمزرعة ورثها لهم حافظ الأسد. ومشروع الحوار الوطني الذي طرحه الأسد الابن ليس أكثر من بيضة ديك.

‘ كاتب سوري مقيم في الجزائر

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى