صفحات العالم

سورية بعيدة عن الحلول

 


طارق الحميد

الأمر الواضح إلى الآن أن الأوضاع في سورية لا تزال بعيدة عن الحلول الحقيقية، ولا يزال العنف هو سيد الموقف، مما يعقد الأمور، ويرشح إلى استمرار الاضطرابات والمظاهرات، فالقتل لم، ولن، يكون هو الحل لتماسك دولة، أو التعاطي مع متطلبات مواطنيها.

بث التلفزيون السوري لقطات لمن سماهم جماعات مسلحة تجوب بعض المناطق وتطلق النار على المتظاهرين والأمن، وهذا أمر لا يصدَّق على الإطلاق؛ فالكاميرا كانت تلاحق المسلحين بطريقة مسلسل «أولاد الحارة»، وحتى إحدى السيارات كانت جديدة ويبدو أن رقم لوحتها عليها، فهل يعقل أن يتحرك مسلحون في سورية بتلك الأريحية دون أن تقمعهم قوات الأمن السورية مباشرة؟ فسورية تقوم على الأمن وليس الإنجاز. كما أن الأمن لا يسمح لكاميرا صحافية بالتقاط صورة، فما بال ملثمين بأسلحة يتحركون مرتاحين أمام كاميرا ترصدهم بشكل درامي؟!

إشكالية ما يحدث في سورية، إلى الآن، أن لدى النظام مساحة كبيرة للتحرك؛ فلديه ملفات كثيرة بحاجة إلى الإصلاح، كما أن لديه مساحة للتحرك من خلال تحييد شرائح رئيسية في حال ما قرر النظام القيام بعمليات إصلاح حقيقية، إلا أن ما يبدو، إلى اللحظة، أن الإصلاحات في سورية لا تزال مجرد وعود بدراسات، وليست قرارات آنية فورية تفكك صواميل الماكينة التي بدأت تتركب لمناهضة النظام في سورية.

وهذا الأمر خطر جدا؛ فإما يقود إلى لحظة انفجار حقيقية، وإما إلى ضعف الدولة ككل؛ فالقتل لن يؤدي إلى حلول، بل سيزيد المسائل تعقيدا، وقد يؤدي إلى لحظة من عنف متبادل، وليس كما يحاول النظام تصويره الآن بأن هناك بلطجية ومسلحين، فيبدو أن هذه محاولة من قِبَل النظام لتحييد الضغط الدولي، فعندما يأتي العنف، لا قدر الله، فوقتها سيكون واضحا بلا عدسات كاميرات درامية، وستكون عواقبه وخيمة. والأمر الآخر أنه، في حال استطاع النظام قمع مواطنيه بهذا الشكل، فحينها سيكون نظاما ضعيفا خارجيا، وكثر الذين يريدون تلقفه بهذا الحال، فحينها سيكون النظام أضعف من أن يفاوض أو يقول لا، وهذا أمر خطر أيضا.

لذا، فليس من خيار أمام النظام السوري إلا الإصلاح الحقيقي ليكتب له البقاء؛ فالشعوب لا تُحكم بالقتل، وفي الحالة السورية تحديدا فإن الزمان غير الزمان، والظروف غير الظروف، ويخطئ من يقول إن سورية بمعزل عمَّا حدث في غيرها من مناطق عربية، فما يحدث بأطراف سورية يشبه، إلى حد كبير، البدايات في تونس؛ حيث كانت بالأطراف، ومع كل تشييع للقتلى يتم قتل آخرين، إلى أن حدث ما حدث، فهل ينتظر النظام السوري إلى أن ينفرط العقد؟

هذا السؤال لأن القتل والقمع لا يقدمان حلولا على الإطلاق، كما أن إغلاق كازينو أو ملهى، والسماح بالنقاب، أو الحجاب، ليس الإصلاح الحقيقي؛ فالدين لله، ولا أحد يملك منع عابد من عبادة، أو تدين.. واجب الدولة حفظ كرامة الناس، وعدم التعدي على حرياتهم، وتأمين العمل والحياة الكريمة لهم، وليس حكمهم بالنوايا والشك والترهيب، وليس السماح لهم بلبس الحجاب أو لا! ولذا فيبدو أن سورية، للأسف، لا تزال بعيدة عن الحلول إلى الآن.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى