صفحات العالم

سورية تخسر أوراقها: جاء “الأخوان”

 


علي الأمين

لم يكن رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” خالد مشعل قائد عملية المصالحة مع حركة “فتح”، لكنه بالتأكيد لم يغامر في رفض هذا الانجاز المصري، الذي لم يكن الا من بشائر ثورة 25 يوليو المصرية. إنجاز كان لقيادة “حماس” في غزة الدور البارز في بلورته مع القيادة المصرية، وكان لرمزها في غزة محمود الزهار اليد الطولى في انجازه، خصوصا بعدما اظهر استعدادات غير مسبوقة لاتفاق فاجأ “فتح” وقيادتها. وذلك ظل مفاجئا على الرغم من الخطوات التي كانت مهدت له من خلال الرسائل العلنية والايجابية التي تبادلها ابو مازن (محمود عباس) واسماعيل هنية، ثم اعلان عباس عن استعداده لزيارة قطاع غزة.

ويشير بعض المطلعين على مقدمات هذا الاتفاق إلى ان الرئيس نبيه بري كان ناشطا على خط المصالحة من خلال اتصالات اجراها ولقاءات عقدها مع اطراف فاعلة لدى الطرفين، وإلى أنّ التطور النوعي في تحقيق المصالحة يعود، الى جانب المساهمة المصرية، إلى تطوّر الاحداث الداخلية في سورية، وبداية ما يسمى، بحسب مصادر فلسطينية مطلعة، “انفضاض التزاوج الاسلامي – اليساري – القومي من جهة، وتضعضع النظام السوري من جهة ثانية”.

واذا كانت دمشق غير آسفة اليوم على خروج “حماس” عن طوقها، فذلك لأن دمشق ادركت مع التحولات الجارية في مصر انها فقدت القدرة على التأثير في غزة، مع معرفتها ان “حماس” لن تضيف اليها شيئا مهما في لبنان او في الجولان. والى ذلك كله لم تستطع “حماس”، باعتبارها احد فروع التنظيم الدولي للاخوان المسلمين (او لم ترد) ان تفعل شيئا حيال مواقف الشيخ يوسف القرضاوي ضد النظام السوري، او المساهمة في الحد من غضبة التيارات الاسلامية (السنية).

وفيما تلاحظ مصادر قريبة من تيار “الاخوان المسلمين” زارت بيروت اخيرا ان تعامل “النظام السوري” امنيا مع الاحتجاجات الشعبية يفقد هذا النظام رصيدا لدى العديد من التيارات الاسلامية في العالم العربي، فإنها باتت لا تخفي شعورها بالزهو حيال ما يجري من ثورات تؤكد انها حاضرة بقوة فيها.

الى ذلك ايضا يمكن ملاحظة ان الموقع السوري في سلوكه الامني هذا والاداء السياسي المبتور او شبه الغائب عن اولوياته اليوم، بدأ يخسر الكثير من اوراق كان يمتلكها وهي:

اولا، ها هو يخسر قدرته على التحرك الاقليمي، وفي كل محيطه الاقليمي تقريبا بعدما كان يستند في حضوره وقوته وشرعيته الى سياسة خارجية حمت النظام ووجوده، وبعدما فقد، او يكاد، الحضن التركي.

ثانيا، فقد “النظام” من خلال اعلان الحرب الامنية والعسكرية على المجموعات السلفية والاصولية في سورية، ورقة هذه المجموعات. فهو كان قادرا في مراحل متعددة على التقاطع معها واستخدامها في اكثر من موقع وفي اتجاهات مختلفة ومتعارضة احيانا. لكن في ظل المواجهة التي اعلنها، صارت في موقع بعيدة عنه.

ثالثا، انفضاض العديد من الحركات الاسلامية وحتى القومية واليسارية على المستوى العربي من حول القيادة السورية بعد عمليات القمع التي اعتمدها ضد الاحتجاجات الداخلية (عزمي بشارة نموذجا)، وهي كانت تحالفت وتعاونت مع النظام السوري والتفت حوله تحت المظلة الايرانية وتحت عنوان المقاومة.

رابعا، ضعف النظام يستتبع ضعفا لادواته وحلفائه في الخارج، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال محاولة بعض القيادات الفلسطينية التفكير جديا للانتقال الى مصر، وبعضها يعمل على العودة الى غزة وآخرون في اتجاه دول الخليج. وفي الجانب اللبناني يبدو الامر جليا من خلال عجز الاكثرية النيابية المدعومة من دمشق عن تشكيل الحكومة.

وفي خضم التحديات التي تواجهها دمشق ومن حولها ايران حزب الله، يمكن القول إنّ الارباك هو العنوان الذي يسم هذه الاطراف، ذلك ان الترحيب بالثورات العربية على أنّها “انتصار لجبهة الممانعة” حوّل اليوم هذه الاطراف إلى صامتة او منقلبة على مواقفها او منقسمة، كما في البحرين مثلا.

هذا في وقت يبدو جليا، يوما بعد يوم، ان كل ما يدور من احداث في المنطقة من العراق الى الخليج العربي الى فلسطين وبلاد الشام وصولا الى تركيا، يدعو إلى عدم ترقب تعاون ايجابي بين تيار الاخوان المسلمين من جهة وحزب الله وايران من جهة ثانية، بحسب ما ترجحه اوساط قريبة من الاخوان، خصوصا في ظل تصاعد ما تعتبره “نزعة ايرانية ومذهبية متصاعدة في المنطقة ومرفوضة من اوساط اسلامية وازنة في العالم العربي”.

“الاخوان المسلمون” باتوا هم من يحدد نسب تمثيل الآخرين في مجلس الشعب المصري اليوم، ويعدون انفسهم لدور فاعل على مستوى ادارة الدول التي شهدت، او تشهد، تحولات سياسية او ثورية، ويعتقدون انهم في موقع المرجعية للحركات الاسلامية، وبالتالي هم من يجب ان يكون في مقدمة “عملية التغيير والحداثة الاسلامية”.

(صدى البلد)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى