صفحات سورية

سورية: حرب السلطة على الحرية

 


أحمد شاهين

ذكرت وسائل إعلامية أن الرئيس السوري بشار الأسد شكل لجنة للحوار الوطني ، وكلف نائبيه ، فاروق الشرع والسيدة نجاح العطار بإدارة هذا الحوار (لم نجد لهذا الخبر أي مرجعية على صفحات وكالة الأنباء السورية سانا). وكان وزير الإعلام السوري عدنان محمود قد أعلن أن الحوار الوطني سيجري في كل المحافظات السورية. كيف، ومع من؟ لم يحدد السيد الوزير.

وموضوع الحوار هذا كان قد أعلنه الرئيس الأسد في توجيهاته لحكومته الجديدة التي أعلن عن تشكيلها برئاسة عادل سفر، بعد انفجار الانتفاضة الشعبية في سورية، حيث قال ‘نحن نريد أن نفتح حوارا موسعا مع الجميع … لا بد أن نركز في حواراتنا الموسعة والمستمرة مع النقابات والمنظمات التي تمثل معظم أصحاب المهن والمصالح على ساحة الوطن’. ويعرف الرئيس الأسد أن النقابات والمنظمات التي أشار إليها في توجيهه هي من ملحقات السلطة، ولن تكون في أحسن الأحوال أفضل من مجلس الشعب الذي استقبله بالتصفيق دون أن يسأله أحد عن سبب القتل الذي تعرض له المحتجون. يعني أنه سيحاور نفسه. إنما من حق البعض القول أن مستشارته السيدة بثينة شعبان قد التقت مع بعض المثقفين من رموز المعارضة من أمثال ميشيل كيلو ولؤي حسين؛ والأصح أن نقول استدعتهم لسماع آرائهم فيما يجري على ساحة سورية، وليس للحوار معهم. وقد أشار الى شيء من ذلك في احد أحاديثه الصديق ميشيل كيلو.

وقد التقى الرئيس الأسد مع بعض ‘الفعاليات الاجتماعية’ من سكان حوران الذين تحدثوا عن إيجابيات اللقاء، حسب وسائل الإعلام السورية، لكن دبابات الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس السيد ماهر الأسد توجهت في اليوم التالي لـ ‘تحرير’ درعا. كما اجتمع الرئيس الأسد مع مجموعة من الفنانين السوريين الذين قالوا أن اللقاء كان إيجابيا وتناول كيفية تجاوز سورية الحالة التي تواجهها.

من جهة أخرى كان الرئيس الأسد الابن قد أعلن أكثر من مرة أنه أعطى أوامره بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، ويستطيع القول أنه أمر بعدم اطلاق الرصاص لكنه لم يأمر بعدم إطلاق قذائف الدبابات، وهي شطارات التلاعب بالألفاظ التي يتعامل بها نخبويو الإعلام الذين تسمح لهم أجهزة المخابرات السورية بالحديث إلى وسائل الإعلام.

في موازاة خطب الرئيس الأسد وتوجيهاته، تحدث ابن خاله السيد رامي مخلوف في مقابلة مع جريدة ‘نيويورك تايمز’ عن الوضع الراهن في سورية، وقال في ما يمكن أن نطلق عليه وصف ‘رسائل سياسية موجهة’ أن عدم الاستقرار في سورية يعني عدم الاستقرار في إسرائيل، وهي رسالة واضحة الاتجاه، وفي موضوع آخر قال مخلوف أن بديل النظام الحالي هو سيطرة السلفيين، وأيضا من الواضح لمن توجه هذه الرسالة. وكان مخلوف قاطعا في مسألة الاستعداد ‘للقتال حتى النهاية’ وأضاف ‘لدينا الكثير من المقاتلين’. وقد نفى سفير سورية لدى واشنطن أن يكون مخلوف يعبر في حديثه عن موقف رسمي لأنه لا يشغل أي منصب رسمي في السلطة السورية؛ لكن مراسل النيويورك تايمز الذي أجرى المقابلة مع مخلوف قال أنه ‘يعبر عن طريقة تفكير الحكومة الخفية (opaque government) العائلية التي تحكم سورية. من هي هذه الحكومة الخفية؟ نستطيع الاجتهاد والقول أنها تتكون من: السيدة أنيسة مخلوف (التي تصر على أنها السيدة الأولى في سورية) وأخيها محمد مخلوف يرأسان هذه الحكومة (بحكم السن) أما أعضاؤها فهم: بشار وماهر وبشرى الأسد وزوج الأخيرة آصف شوكت، إضافة إلى رامي مخلوف المعروف بصفته مصرفي العائلة.

ما الذي يجري في سورية؟ تقول السلطة السورية وأدواتها الإعلامية، أفرادا ومؤسسات إعلامية، أن هناك مجموعات سلفية مسلحة تعيث فسادا وترهب المواطنين السوريين الذين طلبوا من السلطة إرسال الجيش لتخليصهم من هؤلاء الإرهابيين الذين ينوون إقامة إمارات إسلامية. ويشيرون لتأكيد مقولتهم إلى ‘الشهداء’ من أعضاء الجيش الذين يسقطون في المواجهة مع هؤلاء المسلحين. هل هناك حاجة للدبابات لملاحقة مجموعات مسلحة؟ أما كان يكفي لمثل هذا العمل قوات الأمن وزوار الفجر؟

ويقول المحتجون حسب شعاراتهم التي ترددها حناجرهم: ‘الموت ولا المذلة’ و ‘ما في خوف، ما في خوف’، وبعد أن أرسلت السلطة دباباتها لإعادة زرع الخوف في قلوب هؤلاء المحتجين الذين لم يطالبوا أصلا إلا بشيء من الكرامة، رفعوا من مطلبهم بالإصلاح ليصبح ‘الشعب يريد إسقاط النظام’ وعبروا عن ذلك عمليا بتدمير تماثيل حافظ الأسد في بعض المدن وتمزيق صور ابنه بشار. وبغض النظر عن عدد المحتجين الذين يحاول إعلاميو السلطة تقليل عددهم نسبة إلى عدد السكان، ويحاول إعلاميو المعارضة تضخيمهم بالقول أن كل متظاهر سوري يعد بعشرة آلاف نظرا لجرأتهم على التظاهر في بلد مثل سورية (بلد الخوف)، ففي كل الحالات هم تعبير عن حالة اجتماعية سياسية بدأت بعدد لا يتجاوز الثلاثين شخصا في تظاهرة مطلبيه للإفراج عن معتقلين أمام وزارة الداخلية لتتحول إلى تظاهرات تطالب بالإصلاح إلى تظاهرات تطالب بإسقاط النظام.

قد يعيب بعض أفراد الحكومة الخفية التي أشار إليها مراسل إل ‘نيويورك تايمز’ على الرئيس بشار الأسد أنه كان ‘رخوا’ في تعامله مع الانتفاضة ، وأن خطابه في مجلس الشعب عن وجوب الإصلاح كان تنازلا ‘لناس ما بتنعطى وجه ، وما يتمشي إلا بالعصا’ حسب ثقافة السلطة في هذه المنطقة من العالم القائمة منذ سيطرة الإله مردوخ؛ وكان على أخيه ماهر أن يصحح خطأ أخيه الرئيس بتكليف من والدته، بعد أن ترحمت على غياب أخويهما باسل وعلى أبيهما حافظ اللذين لوكانا أحياء لما تجرأ أحد في سورية على التنفس بصوت مسموع، فكيف بالاحتجاج والتظاهر. وقد أشار الرئيس الأسد في توجيهه للحكومة عندما تحدث عن إلغاء حالة الطوارئ ‘أن الأكثرية’ واستدرك بالقول ‘البعض’ كانوا ضد إلغاء حالة الطوارئ. من هي تلك الأكثرية أو البعض ما لم يكونوا أعضاء الحكومة الخفية؟ هل هي لعبة توزيع أدوار، أو ‘البقاء متحدين’ حسب تعبير رامي مخلوف: دبلوماسية بشار وحديث الحوار، دبابات ماهر والقتل الجماعي، شبيحة آصف شوكت وعلاقات رامي مخلوف برأس المال المالي العالمي، ولعبة الوقت، وهي ثقافة مؤسس حكم ‘الدولة الأسدية’ في سورية، فقد أدار الجنرال حافظ الأسد في الثمانينات العملية ذاتها التي يكررها الآن أبناؤه. والتاريخ كما يقول ماركس يتكرر مرة مأساة وثانيا مهزلة. كان حافظ الأسد يمارس السيطرة وحده، أما الآن فهناك ‘ورثة’ ولكل حقه في التصرف بحصته من ‘ارث أبيه السلطوية’، ولأن الأمر كذلك، دعا رامي مخلوف إلى وجوب البقاء متحدين.

جاء الرد الشعبي، بغض النظر عن عدد المحتجين، على إطلاق دبابات ماهر الأسد في شوارع درعا في عملية ‘حرب إخضاع’ اتسعت إلى حمص وبانياس وتلكلخ، جاء الرد الشعبي بتوسيع رقعة التظاهر جغرافيا ورفع سقف مطالبها، واستمرارها.

كانت جدتي تقول حين يعتدي أحد رجال السلطة على مواطن ‘ياحسرة: العين لا تقاوم المخرز’، لكن زمن جدتي مضى، والعين أصبحت ترى فساد السلطة، وبدلا من ‘قول كلمة حق أمام سلطان جائر’ لإصلاحه، ارتقت إلى مقولة الأعرابي لعمر بن الخطاب ‘لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا’. ولأن المواطنين يدخلون في هذه المنطقة من العالم، منذ انتفاضة تونس، عصرا إنسانيا يكون فيه المواطن مسؤولا، في مواجهة مع سلطات فاسدة، يطالبون بالحياة الكريمة لأنفسهم ولغيرهم في مواجهة مع أعداء الحياة أصحاب الدبابات وزوار الفجر: الشبيحة. وكما قال المخرج السينمائي الأمريكي مايكل مور ‘ان كل الحركات العظيمة، وكل لحظات التحرر العظيمة، لم تحدث إلا لأن أهلها كانوا مستعدين للتضحية والمجازفة’ (نص رسالة مور الى شعب سورية في: ‘القدس العربي’ ، 17 5 2011 )

‘ كاتب وسياسي من سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى