صفحات الناس

سورية: رهائن عدرا العماليّة بين النظام والمعارضة/ جديع دواره

 

 

في سورية لا أحد يستطيع أن يتكهن كيف ومتى ستنتهي قضية رهائن سكان عدرا العمالية (35 كلم شمال شرق العاصمة دمشق). فرغم مرور 8 أشهر على احتجازهم لدى فصائل المعارضة المسلحة، إلا أن أصوات المعارك لا تزال تعلو فوق صرخاتهم، وغدت قضيتهم بازاراً بارداً للتفاوض مع نظام الأسد، داخل منطقة تخضع لحصار خانق، وتشهد توتراً وقصفاً بمختلف أنواع الأسلحة.

“نحن شعبك، نحن موظفون لدى الدولة، نريد أن نعرف لماذا ترفض التفاوض لمبادلتنا، نحن اليد الكادحة، مكاننا ليس هنا”. بهذه الكلمات الخارجة من شفتين يعتصرهما الألم تُخاطب إحدى النساء المحتجزات كرهائن لدى فصائل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية مَن تُصر على مناداته بـ “قائدي بشار الأسد”، وذلك في تسجيل مصور على “اليوتيوب”.

حالة الرعب والترقب من المصير المجهول هي المسيطرة على غالبية الرهائن من النساء والأطفال، حيث الخوف من القصف والاشتباكات الدائرة فوق رؤوسهم، فيما أبواب الأقبية موصدة عليهم. ذنبهم الوحيد أن أحد أفراد أسرهم كان يخدم في جيش النظام أو في اللجان الشعبية الموالية له، يوم سيطر مقاتلو المعارضة على عدرا العمالية في 11 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي 2013.

تعاون موالين ومعارضين

راهن النظام السوري على استعادة عدرا العمالية تارة بالحصار وأخرى بالقصف جواً وبراً باءت جميعها بالفشل، ما اقنع معارضين وموالين للنظام بأن قضية الرهائن لا يمكن حلها إلا عن طريق “صفقة مبادلة”، ولكن كان السؤال من يدفع الطرفين للتفاوض؟

الناطق باسم الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وائل علوان، كشف لـ “العربي الجديد”، عن أنه بادر إلى تصوير العائلات وإجراء مقابلات معهم، عائلة عائلة، وإرسال التسجيلات تباعاً إلى إحدى الصفحات الموالية للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي “عدرا العمالية” لتتولى الأخيرة عملية النشر، وهو ما أكده مسؤول الصفحة الموالية للنظام مفضلا عدم الإفصاح عن اسمه.

أكثر من ذلك، وصف مسؤول الصفحة الموالية، “علوان” الذي يتواصل معه على الإنترنت بأنه شخص “محترم وخلوق”، فيما أكد علوان بأنه يتواصل بشكل يومي مع مسؤول الصفحة الموالية ويقدم له التسجيلات وذلك “بغرض إنساني، لاطمئنان ذويهم، وأيضاً للضغط على النظام، بطلب من المحتجزين أنفسهم”، مشيراً إلى أنهم نجحوا في ممارسة “ضغوط كبيرة جداً على النظام”.

رسائل الرهائن

تذكّر رسائل الرهائن على الصفحة الموالية للنظام (عدرا العمالية رسائل من الداخل)، بالرسائل التي كان يتبادلها الفلسطينيون على أثير الإذاعات العربية في سبعينات القرن الماضي، الفرق أنها اليوم بالصوت والصورة، والداخل والخارج هو بذات البلد “سورية”.

“لماذا الدولة تاركتنا..؟ ولمتى سنبقى هنا..؟ ماذا تريد الدولة لفك الحصار عن الغوطة..؟” هذا ما تقوله إحدى الرهائن نبيلة يوسف حسين، أربعينية العمر، تظهر في تسجيل مصور تمّ نشره، بقربها طفل عمره قرابة 9 سنوات، وقد بدا عليهما التعب والنحول، مؤكدة أن المعاملة جيدة لكن “الطعام والدواء غير متوفرين”، وأنها تعاني من مرض السكر وفقر الدم، ولم يقدموا لها الدواء لهذا اليوم بسبب عدم توفره، وابنها لا يقوى على المشي بسبب الجوع.

تسجيل آخر للسيدة منى مدحت ابراهيم (بالعقد الثالث من عمرها) تناشد من تخاطبه بـ “قائدي الأسد خذلنا” وتتساءل “أين الثقة بينه وبين شعبه” معاتبة “الجيش العربي السوري” و ممتدحه بالمقابل الجيش الحر، قائلة:” لماذا يمنع دخول الأغذية”.

تسجيل ثالث لسيدة حامل (من شهبا في محافظة السويداء) ماجدة الحرفوش في العقد الثالث من عمرها، تناشد أهلها للضغط على مشايخ العقل، مستغربة عدم تحركهم وتطالبهم بإيصال خبر في حال تخلوا عنها..!

وتخاطب مشايخ عقل الموحدين الدروز “هل ترضون وأنا ابنتكم أن تتركوني هنا، أنا ابنة الطائفة الدرزية سبعة أشهر بالأقبية، فقط اضغطوا على النظام”، وتشرح بأن وضعها الصحي سيء جداً، تعاني من فقر الدم، وحالات إغماء يومية، وهي على وشك الولادة.

ثورة ورهائن..!

علم “العربي الجديد” من خلال اتصالاتها أن 3 فصائل معارضة تتقاسم الرهائن، وتمكن من الاتصال مع فصيلين منها هما “جيش الإسلام” و “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام”، فيما لم يتمكن من الاتصال مع الطرف الثالث المتمثل في “جبهة النصرة”.

أما عن أسباب احتجاز الأطفال والنساء رغم كونهم ليسوا طرفاً في الصراع، فيوضح علوان لـ “العربي الجديد”: “أبناء الغوطة الشرقية نزحوا هرباً من قصف طائرات النظام ومدفعيته إلى عدرا العمالية، وهناك لم يسلموا من تشبيح وإجرام العشرات من ضباط الأسد والمئات من شبيحته الذين أقاموا الحواجز التي طالت أهلنا بالظلم والإجرام الممنهج”. معتبرا أن فصائل المعارضة دخلت المدينة لتأمين أهلها وإنقاذهم من بطش النظام وظلمه، وتم أسر من ألقيّ القبض عليه من المسلحين، وتأمين عائلاتهم في الأقبية الآمنة حرصاً على حياتهم”.

معاملة حسنة

من جهته صرح الناطق باسم “جيش الاسلام” النقيب الشامي لـ “العربي الجديد”: ” لم نجد طريقة لإخراج معتقلينا إلا هذه”، رافضا مقارنة سلوكهم بسلوك النظام موضحاً “هناك ضابط تمت مبادلته وخرج من عندنا بكامل لياقته وصحته، بينما استلمنا عائلة كانت في سجون الأسد، هياكل عظمية”.

بالعودة إلى تصريحات علوان فإن النظام رفض السماح لذوي الرهائن إرسال ما يحتاجونه، ومنع الجهات الإنسانية مثل الهلال والصليب الأحمر وبعثة مفوضية الأمم المتحدة إدخال الأغذية والأدوية لهم والإشراف على أوضاعهم الصحية، مؤكدا أنهم قاموا “بتأمينهم ضمن ظروف صحية جيدة، ويعاملونهم وفق الحقوق المشروعة لهم شرعاً والتي ضمنها القانون الدولي للمحتجزين المدنيين”.

مراوغة أم مفاوضات

“النظام الأرعن أفشل بعنجهيته كل محاولاتنا لمبادلتهم” هذا ما يقوله علوان مؤكدا تواصلهم مع الكثير من الوسطاء المحليين والدوليين دون نتيجة. موضحا ” سبق و تواصلنا مع وزارة المصالحة(في حكومة النظام) ولكن هناك مماطلات بحجة عدم وجود موافقات من الأمن القومي الذي رُفعت له القضية منذ أكثر من شهر”.

بالمقابل لا يتوانى أدمن الصفحة الموالية عن وصف “جماعة المصالحة” بأنهم “غير مهتمين” كاشفا تواصله معهم في البداية ثم تركهم ليتواصل مع أشخاص وصفهم بـ”أصحاب نفوذ” متكتما على صفتهم وأسمائهم.

التفاوض مبدأ وصفه النقيب الشامي بالمقبول قائلا “النظام يرفض التفاوض من الأساس، قبل طرح أي تفصيل”

وزير المصالحة الوطنية في حكومة النظام علي حيدر رفض اعطاء تفاصيل عن مفاوضات إخراج الرهائن، مشيرا في رده على سؤال لوكالة فرانس برس قبل نحو شهرين “هذه مسألة ليست للإعلام بل للبحث لتنجز بشكل نهائي”، غير أن شيئاً على الأرض لم يحدث، لا بشكل نهائي ولا بشكل جزئي، ولم يخرج سوى محتجز واحد.

مبادلة واحدة استثنائية

يكشف الناطق باسم جيش الاسلام النقيب “الشامي” عن حادثة مبادلة يتيمة استغرق التفاوض عليها “سبعة أشهر”، مدللاً من خلالها على “لامبالاة النظام وتعنته”.

يقول الشامي “منذ أربعة أشهر تم مبادلة الضباط (غدير يوسف) الذي كان محتجزاً لدينا مقابل عائلة كانت معتقلة لدى النظام (أب وأم وطفلين اعمارهما تحت السنتين)، وفسر قبول النظام، بأن (يوسف) ابن لأحد ضباط القصر الجمهوري، الذي استطاع عبر سالم العلي (مستشار بشار الاسد) ممارسة ضغط كبير لقبول المبادلة.

تكتم على الأرقام

عدد الرهائن المحتجزة في عدرا لا يوجد توثيق محدد بها، الناطق باسم أجناد الشام (علوان) رفض إعطاء رقماً، واكتفى بالقول أنهم “بالمئات”! وحول تفسير اختلاف التقديرات، شرح أنه بعد السيطرة التامة على المدينة “بدأ النظام الأسدي المجرم بقصف المدينة أرضاً وجواً ولم يفرق بذلك بين ثائر مسلح أو مدني أعزل الأمر الذي أدى إلى مقتل عدد كبير منهم”.

رفض كذلك الناطق باسم جيش الاسلام الشامي إعطاء أرقام، تاركاً هذا التفصيل لبدء التفاوض الجدي، فقط اقر بوجود ما نسبته 55 % من مجمل رهائن عدرا العمالية لديهم كجيش الاسلام.

ولم يخف الشامي وقوع قتلى من الرهائن “بسبب قصف النظام”، رافضاً تحديده بالمئات او حتى بالعشرات، واكتفى بالقول “أقل من ذلك”.

وعن الخطر على البقية، يوضح النقيب الشامي لـ”العربي الجديد”، بأنهم نقلوا جميع الرهائن من عدرا العمالية التي لم يبق فيها مدنيين الى داخل الغوطة الشرقية”، مشدداً على ان الرهائن في “مكان آمن، وليسوا في منطقة الاشتباك، وليسوا في المليحة كما يشاع”.

يتوزع الرهائن على مختلف أطياف السوريين، النسبة الأكبر من مدينة السلمية في ريف حماه، تليها من منطقة الساحل، ثم السويداء جنوبي سوريا ثم بقية المناطق، ويحاول ذووهم بشتى الطرق مساعدتهم، لكن ليس “باليد حيلة” هذا ما تقوله والدة إحدى الرهينات(فضلت عدم ذكر اسمها)

وتكشف أم الرهينة لـ “العربي الجديد”، أنها ذهبت منذ نحو شهر مع أخريات إلى القصر الجمهوري، “أخذنا معنا كتاباً يشرح قضية أولادنا أخذوا الكتاب وسلموه للرئيس ووعدونا خير إن شاء الله…”، مضيفة “رأيت ابنتي في الفيديو .. ياريت كنت مكانها ..”

دمشق

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى