صفحات الناس

سورية: فساد منظمات المجتمع المدني يُبعِد همّ الإغاثة عن نشاطاتها

عبد الحاج

منذ اندلاع الاحتجاجات في سورية بداية 2011، طفت إلى السطح اسماء كثير من الكيانات التي لها علاقات بحركات سياسية معارضة للنظام، وأخرى مدنية، لا تسعى الى تمثيل تيارات سياسية أو النظام سياسياً، بل تسعى إلى رصد انتهاكات النظام ضد المواطنين السوريين. لكن تأسيس هذه المؤسسات واجه معوقات عدة منها قضية التمويل وقضايا الفساد الداخلي وتضارب المصالح، وقلة الخبرة لدى كوادرها وتعدد مشاربها الفكرية.

جهات تمويل بأهداف خاصة

لا شك في أن أهم مؤشرات فعالية المجتمع المدني هو استقلاله المالي عن كل شكل من أشكال السلطة السياسية والاقتصادية، داخلية كانت أو خارجية. وأي استفادة له من التمويل كيفما كان حجمه ومصدره يسيء إلى استقلاليته. فأينما يوجد تمويل رسمي أو أجنبي توجد شروط يفرضها الممولون وأهداف غير معلنة يسعون إلى تحقيقها.

صبحي.ف (28 عاماً) مدير منظمة سورية تعنى بالشأن المدني مقيم في بيروت «يرى أن غالبية منظمات المجتمع المدني باتت تخضع لشروط الجهات المانحة بغية الحصول على موارد مالية لأنشطتها. كما أنها أصبحت تفضل القيام بالأنشطة التي تمولها الجهات الأجنبية في مجالات مثل: حقوق المرأة، والعدالة الانتقالية، والشباب، بدل القيام بأنشطة تستهدف الاستجابة للحاجيات المحلية الملحّة التي تتطلبها المرحلة. وهو ما يجعل هذه الجمعيات مجرد آليات لتنفيذ المخططات الإستراتيجية للأجهزة الحكومية والدول الغربية. وبالتالي لم يعد المجتمع المدني سلطة مستقلة تقف بين الفرد والدولة للحد من تعسفات السلطات العمومية وحضّها على الاستجابة لحاجيات المواطنين.

ويضيف: «غالباً لا تكون هناك شروط محددة تمكن الإشارة إليها. وإذا كان الشيطان يكمن عادة في التفاصيل، كما يقال، فإن شيطان التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية يكمن في الصورة الكبيرة، وفي النتائج البعيدة المدى على المستوى الاجتماعي-السياسي».

صفقات مشبوهة

نضال بيطاري ناشط مدني يرى أن «المجتمع المدني أصبح سوقاً واسعة، وأصبح البعض متخصصاً بجلب التمويل ولهم مكاتب معروفة‏ -‏ المخلصاتية‏ -‏ تتلخص مهمتهم في إعداد المشروعات والبرامج، ويتمتعون بعلاقات جيدة مع الجهات المانحة الاوروبية والاميركية ويقومون بالحصول على تمويل لمصلحة الجمعيات الراغبة، مقابل نسبة من المبالغ التي يتم تخصيصها لهم. وتتراوح بين 25 و35 في المئة من قيمة المنحة، كما يشارك في الطرف الثاني عدد من العاملين في الجهات المانحة، في تسهيل حصول المنظمات على المنح التي تتقدم إليها، في أثناء عرضها على لجان التقويم والبت وتزكيتها، نظير حصولهم على نسب مالية منها توزع بين افراد كثر داخل الجهات المانحة وتتراوح بين20 و30 في المئة وفقاً لكبر قيمة التمويل أو صغرها.

ووفق نضال: «زاد دور – المخلصاتية – في حصول المنظمات على التمويل بعد دخول منظمات تعنى بحقوق المرأة والطفل والجندر ومراقبة الانتخابات على الخط وحصولهم على أكبر مبالغ مالية تقدمها الجهات المانحة».

ويؤكد احمد. س (35 عاماً) وموظف في إحدى منظمات المجتمع المدني السورية في تركيا كلام نضال بأن «منظمات المجتمع المدني أصبحت سوق «بورصة» خاضعة لعمليات العرض والطلب حيث يتم إسناد عمليات من الباطن تحت مسمى الشراكة، فتقوم جمعيات الباطن بتخفيض رواتب العاملين في المشروع إلى النصف وقيامهم بالتوقيع على إيصالات تحتوي على مبالغ كبيرة وحصول مشرفي المشروع على الفارق المالي، والتلاعب في حجوزات الفنادق. وشكا بعض الجهات المانحة من قيام بعض المنظمات بإنشاء مراكز حقوقية وشركات وهمية على الورق لإدارة المنحة، تقوم بإسناد تنظيم ورش العمل والندوات اليها ضمن أنشطتها الممولة حتى تستولي على قيمة المبالغ المخصصة للتعامل مع تلك الشركات لحساب تلك المنظمات ولا تصرفها في مكانها الصحيح».

ويضيف: «اليوم يتكرر مشهد تقديم المنظمات المدنية شكاوى انتقامية ضد بعضها بعضاً إلى الجهات المانحة الاجنبية لاستبعاد عدد منها من الحصول على التمويل، في حين سعى عدد من المنظمات الى السيطرة على مصادر التمويل الاجنبي من طريق عرقلة نشاط المنظمات المنافسة لها وممارسة نشاطاتها نفسها بقوة لإبعادها عن العمل على الساحة واقتباس إنتاجها العلمي في الادلة التدريبية والكتب والمشروعات لإيجاد مشاكل لها، بينما لجأ بعض رؤساء المنظمات إلى تشويه صورة المنظمات الحديثة لإيقافها عن العمل ومنعها من الحصول على المنح الاجنبية والادعاء بقيام أجهزة المعارضة السورية المختلفة بتأسيسها للتدخل في حركة العمل المدني».

مبادرات تستحق الدعم

بعد تحرير معظم محافظة الرقة في بداية الشهر الثالث من العام الحالي، بدأت تتشكل هيئات عمل مدني وحقوقي في المدينة، في محاولة منها لأخذ دور في المجتمع المدني ولتركيز حقوق السوريين وقدرتهم على امتلاك قرارهم ومصير بلادهم، وقدرتهم على الدفاع عن المجتمع واستقراره السلمي، وقدرتهم أيضاً على الرقابة ورسم اتجاه بوصلتهم. ومن هذه الحركات والتجمعات «حركة حقنا» وتجمع شباب الرقة الحر». وتتركز نشاطات «حركة حقنا» حول شكل الدولة الديموقراطية والسلطة التي يجب أن يشغلها مدنيون، وعزل العسكر عن القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. الدولة كما تراها (حقنا)، يجب أن تبقى في معزل عن التباين الطائفي أو العرقي أو القومي. بمعنى أن تُؤسس على أساس وطني، وتُحترم فيها قواعد تداول السلطة في شكل سلمي وديموقراطي وعبر صناديق الاقتراع، ويصان فيها الدستور كمرجعية نهائية بعد أن يشارك في صوغه كل السوريين.

في المقابل، يرفض عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني أسلوب تعامل الجهات المانحة معهم، وتقديمها تمويلات ضخمة تقترب من مليون دولار لمنظمات صغيرة ناشئة، للقيام بنشاط واحد من دون رقابة حقيقية منها، مما يفتح الباب لفساد مالي وإداري في هذه المنظمات، في الوقت الذي رفضت جهات التمويل مشروعات وبرامج مهمة للمنظمات القديمة وبررت الجهات المانحة تصرفاتها برغبتها في زيادة عدد المنظمات التي تتعامل معها.

هذا ما دفع عدداً من نشطاء المجتمع المدني الى تبني فكرة إنشاء اتحاد منظمات المجتمع المدني السوري على غرار تجربة 2001 بما عرف بلجان إحياء المجتمع المدني وغالبيتهم كانوا من نشطاء المجتمع المدني بعد اصدار الوثيقة الأساسية الأولى «بيان الألف» الذي ساهم فيه ألف مثقف من أنحاء سورية. وعلى رغم أن اللجان بقيت منهجاً ثقافياً تبشيرياً تحتفظ بمسافة أمان جيدة بينها وبين التحزّب، وبينها وبين نظام الجمعية أو المؤسسة التي تحكمها الحالة التنظيمية التراتبية، وبقيت فضاءً واسعاً يضمّ كل الأطياف الوطنية التي تعنى بالشأن العام السوري تجمعها توافقات ذاتية وطنية حرّة، تعمل على تحقيق الهدف المنشود في توسيع دائرة الحراك المجتمعي السوري.

تجربة الاتحاد اليوم تسعى الى تحديد مصادر التمويل الاجنبي وتوجيهه إلى المنظمات والجمعيات الاهلية لحل المشكلة الحالية في التمويل المباشر لها، على ان يتولى الاتحاد مراقبة أوجه صرف الجمعيات للتمويل… كما تقوم بدراسة المشروعات والبرامج التي تقدمها الجمعيات ويضم الاتحاد ممثلين عن منظمات المجتمع المدني السوري.

وجاء في تعريف الاتحاد انه اتحاد يعنى بشؤون الوطن والمواطن السوري، ويقبل في عضويته مختلف منظمات المجتمع المدني السورية، داخل الوطن وخارجه، وهو اتحاد غير حكومي، مستقل، وغير مرتبط بأي حزب سياسي، ولا يفرق بين أعضائه على أساس الانتماء الديني أو الطائفي أو القومي أو العرقي.

في المحصلة، فقد يلعب المجتمع المدني دوراً رئيساً في بلورة وعي طوعي، باتجاه مجتمع وطني مساواتي، أي المضي نحو مجتمع سياسي ومدني يوسع مفاهيمه ليقبل الآخر ويعترف بحقوقه.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى