صفحات المستقبل

سورية لا تشبه العراق

 


الصديق رامي طرح أمرا بغاية الأهمية حيث قال لي:

أنت حكيت بمقال مؤخراً بمدونتك عن صفات أنظمة الطغيان والاستبداد ، الأمر اللي وأنا عم أقرأه حسيته بينطبق بالإشارات اللي فيه على العراق بفترة صدام مثلاً وسوريا بذات الفترة ، هذا بيقول كمان انو الشعبين كانوا خاضعين لنفس الظروف ، وكمان خلينا نقول انو الشعبين السوري والعراقي متقاربين بالنفس الاجتماعي والديني والتلون الطائفي اللي فين ، ما رح اسألك انو شو اللي بيمنع انو ننتهي للي انتهو اله، شو الشي اللي بنملكه وما بيملكه الشعب العراقي واللي بيمنع ظهور جماعات عنا بتشبه اللي عندن.

وقد وجدت من الملائم أن يحاول الجميع الإجابة عن التساؤل أو على الأقل التفكير، خصوصا أن هناك حالة من التوجس لدى البعض من تحول سورية إلى إمارة طائفية وسط الترويج الرسمي عن وجود سلفيين . . الخ

ما الذي يملكه الشعب السوري حتى لا ينتهي إلى ما انتهت إليه الحالة العراقية ؟

قبل الإجابة على السؤال، لا بد من استعراض سريع للوضع العراقي قبل الإحتلال لنتبين هل هو حقا مماثل تماما للوضع السوري؟

الحالة العراقية انتهت باحتلال أجنبي مباشر تفجر على إثره كل الكبت القديم على شكل تناحرات طائفية رهيبة وأصبح العراق مرتعا للجماعات الإرهابية بحيث لم يعد الحديث عن المقاومة العراقية في تلك الفترة حديثا عن مسمى مشخص بقدر ما هو حديث عن فكرة موجودة لا يملك أحد القدرة على تحديدها بدقة لتداخل المقاومة بالجماعات الإرهابية على أرضية طائفية.

العراق عمليا أثناء حكم صدام حسين كان مقسوما إلى قسمين، القسم الأول هو الشمال العراقي أو ما يسمى بكردستان العراق والذي يمارس فيه الأكراد حكما ذاتيا ويطمحون فيه إلى الإستقلال الكامل، والقسم الثاني هو باقي العراق حيث الكبت والقمع الشامل للجميع سنة وشيعة. علاقة العداء والحرب الطويلة بين إيران والعراق جعلت من الأولى ملجأ ملائما لكل المعارضين العراقين ذوي التوجهات الدينية “الشيعة على وجه التحديد” وفيها تشكلت أحزاب عراقية مدعومة من إيران وميليشيات مسلحة مثل فيلق بدر والتي كان لها دور بارز ومؤثر طائفيا على الساحة العراقية لاحقا، بالمقابل كانت سورية ولنفس الأسباب هي الملجأ المناسب للمعارضين البعثيين وعموم التيارات العلمانية.

لا أدعي أني مطلع على طبيعة العلاقات الإجتماعية التي تحكم النسيج الديموغرافي في العراق في تلك الفترة أو حتى قبل ذلك، لكن ما أعرفه أن المجتمعات التي تحكمها أنظمة إستبدادية هي مجتمعات غير ناضجة وتحتمي بانتماءاتها البدائية. تاريخيا أكثر منطقة شهدت صراعا وشحنا بين الشيعة والسنة هي في العراق منذ أيام العباسيين، بل جذورها تمتد إلى خلافة الإمام علي حيث نقل العاصمة إلى العراق.

أعتقد أن هذا التاريخ الطويل لا بد له من أن يلقي بظلاله الثقيلة على هذه العلاقات بطريقة ما.

السقوط غير الطبيعي للنظام العراقي بفعل قوة أجنبية محتلة لها أطماع واضحة ومحددة، هدم الدولة وفتح الأفق على مداه لظهور كل التشوهات النفسية التي يعاني منها المجتمع بطريقة غير منظمة، وبدأت قوة الإحتلال بالعمل على تغذية كل التناقضات الموجودة والممكنة في المجتمع العراقي وصناعتها إذا تطلب الأمر. الأكراد في الشمال وجدوا بالإحتلال فرصة ذهبية لتحقيق حلم الإستقلال، والقوى الشيعية أيضا وجدت بالإحتلال فرصة لهم لتولي الحكم انطلاقا من كونهم أكثرية بعد تحييد الإثنيات القومية غير العربية ولا ننسى أن كثير من هذه القيادات باعترافها طالبت القوى الغربية بإسقاط النظام العراقي عسكريا.

الحرب على العراق وسقوط بغداد كان انتكاسة وصدمة كبيرة للوجدان العربي والإسلامي، حيث تم الربط بين سقوط بغداد اليوم وسقوطها على يد التتار، لذلك اعتبر الجهاد واجبا إلزاميا مقدسا على كل مسلم، فأصبحت العراق قبلة المجاهدين المشحونين عاطفيا بمشاعر إسلامية بالمقام الأول، ووجدت القوى الأصولية والقاعدة في العراق إفغانستان جديدة. وانتشرت قناعة لدى معظم السنة وعلى رأسهم هؤلاء المجاهدين أن سقوط بغداد هو مؤامرة اشترك فيها الشيعة بشكل مباشر وتعززت هذه القناعة بعد قعود الشيعة عن الجهاد وامتناع مرجعياتهم الدينية عن إعطاء فتوى تجيز المقاومة وأيضا أسماء مجلس الحكم الإنتقالي العراقي (مجلس بريمر) كان معظمها من الشيعة.

ولعلنا نتذكر الإميل الذي انتشر وقتها ويحتوي على مقارنة بين سقوط بغداد على يد التتار وسقوطها على يد الأمريكان ومقابلة (إبن العلقمي “الشيعي” بالجلبي أو عموم قيادات الشيعة).

أيضا هناك نقطة من المهم ذكرها، سقوط صدام مكن الشيعة من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية بعد أن كانوا ممنوعين عنها في العهد السابق، ” أعتقد” أن ممارسة الشعائر الدينية ذات الصبغة الإحتفالية لم يقابلها السنة بارتياح وشعروا بأنها استفزاز موجه لهم بطريقة ما.

دول الجوار المحيطة بالعراق (إيران وسورية) كان لهما أيضا دور فاعل على المسرح العراقي، إيران هدفت إلى جعل العراق حديقة خاضعة لنفوذها الحيوي ولا يتأتى لها ذلك إلا من خلال عراق مشرذم ضعيف، لذلك دأبت على دعم كل الحركات الأصولية سواء كانت شيعية أو سنية بقصد إدخال البلد في دوامة من الحرب الأهلية الطائفية، بل كانت تتمنى الحصول على عراق مقسم فدراليا لتصبح كلفة السيطرة عليه معدومة ولعلنا نتذكر عبد العزيز الحكيم الإبن البار للجمهورية الإيرانية ودعوته لقيام فدرالية في العراق. الهدف الموازي لإيران كان إغراق جيش الإحتلال بفيض من المشاكل تشل قدرته على الإنتقال إلى دولة جديدة لنشر “الديموقراطية” فيها، وهذا الهدف كانت تعمل على تحقيقه سورية، لذلك كانت حشود المجاهدين تدخل العراق بغزارة من الحدود السورية، حيث تبنت ورعت وشجعت سورية كل شخص يود الذهاب للجهاد بغض النظر عن خلفيته الفكرية، بل كانت جهات رسمية في سورية ترعى الكثير من هذه الحركات الراديكالية بهدف إغراق الساحة العراقية بالمقاومين وبالتالي شل قدرة الإحتلال على التوسع شرقا أو غربا وهو المهم.

ولا ننسى الدور الإسرائيلي البارز أيضا، والقاعدة التي كانت رأس الحربة في حرث نار الطائفية . . القاسم المشترك الذي يجمع كل هذه القوى الخارجية – باستثناء سورية- تفتيت العراق طائفيا وخلق كل ما من شأنه أن يعزز هذا الإتجاه. بالطبع سورية ورغم أنها لا تريد عراقا ممزقا طائفيا، لكن طبيعة الأمور فرضت عليها الإستعانة بمجاهدين سنة ليسوا ببعيدين عن الشحن الطائفي الهائل الذي كان موجودا آنذاك، هي تريد أولا كسر جماح الإحتلال بأي ثمن كان.

كل العوامل والقوى السابقة أفضت إلى العراق الذي أمسى فزاعة يرفعها الحكام بوجه شعوبهم. من القراءة المختزلة أعلاه يتضح شيئين إثنين: الأول: رغم التشابه الشكلي بين المجتمع العراقي والسوري إلا أن الحالة العراقية لا تشبه الحالة السورية أبدا. الثاني: الإحتلال هو السبب المباشر والفاعل للإحتراب والتشرذم الطائفي في العراق.

ما الذي يملكه السوريون ولا يملكه العراقيون ؟

الثورة الحاصلة في سورية اليوم هي حراك شعبي داخلي، أسبابه معلومة للجميع ومطالبه أيضا معلومة للجميع وظروفه تختلف كليا عن الظروف العراقية كما أسلفت، فضلا عن أن المجتمع السوري رغم كثرة طوائفه واثنياته هو شعب معتدل والتاريخ يؤكد هذه الحقيقة، بالإضافة أن سورية لم تشهد في تاريخها حالات اقتتال طائفي يبنى عليها، رغم وجود جرح مسكوت عنه حصل في الثمانينات، لم يداويه أحد حتى اللحظة، وربما هذا الجرح هو سبب تخوف الكثيرين من الحراك الحاصل وأنه ربما يستثمر بطريقة ثأرية من شأنها إحداث انقسام طائفي وربما اقتتال. “علما أن أحداث الثمانينات لم تأخذ الطابع الشعبي، فهي حصلت بين النظام وبين جماعة مسلحة والطرفين مارسوا قتل المدنين على أساس طائفي كل على قدرته”  لكني أعتقد أن الشعب السوري بوعيه الحالي – والتجربة العراقية الماثلة أمامه – وبخبرته من أحداث الثمانينات لن يجنح إلى هذا المنحى نهائيا، والأحداث الحاصلة اليوم تؤكد ذلك لمن يريد التمعن بها جيدا. لا أنكر وجود أصوات طائفية ولا أنكر وجود من يريد الثأر، لكن هم قلة لا يشكلون ثقلا في التيار العام، ولعل حادثة إمام المسجد في درعا والرد السريع عليها من مشايخ درعا يعطي مثلا عن ذلك. الأمر الآخر، دول الجوار لا تملك التأثير على الحراك الشعبي الحاصل، والخطاب الطائفي الذي يأتي من دول الخليج على شكل دعم ونصرة للشعب السوري هو خطاب لا يملك التأثير أولا وغير مقبول معظم غن لم أقل جميع الذين يتحركون على الأرض.

الشعب السوري ببساطة يملك مطالب مشروعة يجمع عليها الجميع حتى أولئك الذين يقفون ضد هذه الثورة، وهذه المطالب فيما لو تحققت ستنقل إلى المستوى الذي يريده أي مواطن سوري. المطلوب اليوم من الجميع عدم الوقوف على الحياد وعلى كل المتخوفين طائفيا والخائفين من وهم تحول سورية إلى إمارة سلفية أن يشاركوا بهذا الحراك بفاعلية لكي ينزعوا الشرعية عن أي صوت يريد أخذ البلد إلى المسار الطائفي أو الإقصائي، وليساهموا بصناعة مستقبل سورية عوضا عن الصمت أو التعاطي السلبي، مشاركة كافة الطوائف بالتأكيد على المطالب المشروعة وعلى إدانة العنف والقتل سيرسخ الوحدة الوطنية ويزيل كل الهواجس والمخاوف ويمكن من صياغة مستقبل يرضى الجميع.

 

http://www.3bdulsalam.com/

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى