صفحات سورية

سورية.. معارضون ومؤيدون على الخارطة


كامل صقر

ليلة رأس السنة تبادل بعض السوريين رسالة معايدة عبر أجهزة الخلوي، تقول: ‘طلقة حب، قذيفة ورد، عبوة حنين، وسيارة مفخخة بالياسمين.. كل عام وأنتم بخير’، عبارة سريالية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، تلخص مشهداً بات يشكل لوناً عنيفاً وثابتاً من ألوان حياة السوري، لون لم تُزله بعد مساحيق الجامعة العربية ومراقبوها المساكين، ولا حلول السلطة وإجراءاتها ولا مسيرات التأييد أو حتى مظاهرات إسقاط النظام مدعومة بما يسمى الجيش الحر، لا سباق المجلس الوطني لتسلم السلطة ولا بقايا معارضة في الداخل تقودها هيئة تكاد لا تمون حتى على أعضائها، كل ذلك ويبقى السواد لوناً طاغياً في سورية.

ينام السوريون على أنباء الموت، يحاصرهم حتى يكاد يغفو بجانبهم، ويصحو السوريون على رسائل إخبارية لا تحمل إلا أنباء القتل والموت والخوف، وفي الطريق إلى أعمالهم لا يسمعون إلا روايات الخطف والعنف والاستهداف، وهم على رأس عملهم تهاجمهم تقارير الجزيرة والعربية والفرنسية والروسية والدنيا والإخبارية السورية، حُبلى بأخبار الموت والدم، ومَن فر من الفضائيات باغته الفيس بوك برشقات من تنسيقيات وصفحات تأييد .. هدايا معظمها ‘عاجل’ وكلها تحكي لك بلغة واحدة هي لغة الموت، وتخبرك بخبر واحد هو القتل، وربما تحظى بنصيب وافر من مشاركات يتحدث مَن كتبها عن انفصال بالشخصية يعتريه أو يأس يقبض عليه أو ضيق واكتئاب يحاصره من كل حدب وصوب بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد.

حتى الأمس القريب ورغم سخونة الأحداث كان ثمة أحياء في عدد من المدن السورية تُصنف على أنها آمنة نسبياً، والآن وبعد أن طالت التفجيرات مقرات أمنية وسط العاصمة دمشق فليس ثمة مكان في البقعة السورية يصنف في خانة آمنة تماماً، أعرف عشرات الأصدقاء لا يسافرون الآن خارج دمشق إلا عبر الطائرة وذلك إلى المدن السورية التي تصلها خدمة النقل الجوي مثل اللاذقية وحلب ودير الزور والحسكة خوفاً على حالهم وتجنباً لمفاجآت قد تكون غير سارة على الطريق البري.

يلتقي اثنان من السوريين في مكان ما، وأبرز سؤال يحضرهما معاً: من أية منطقة أو مدينة أنت؟ والسؤال هنا ليس ليستذكر أي منهما ما تشتهر به تلك المنطقة وهل إذا كان قد مر بها ذات يوم أو بات عند أحد من أهليها ذات ليلة، بل الغرض من السؤال محاولة استدلال كل منهما للآخر إذا كان مندساً (معارضاً) أو شبيحاً (مؤيداً).

في مطلع آذار (مارس) من العام 2007 كتب روبرت فيسك في الاندبندنت البريطانية مقالاً بعنوان ‘كراهية على الخارطة’ ـ ومنه استعرت عنـــــوان المقال ـ يتحدث فيه عن نزعة الغرب وصحافته لنشر خرائط الشرق الأوســـط ‘المذهبية’ وساق مثالاً خارطة العراق بألوانها الرمزية، الشيعة في أسفــــلها، والسنة في منتصف ‘المثلث’، والأكـــــراد في الشمال، أو خارطة لبنان، حيث أعيش: الشيعة في أسفلها (طبعاً) والسنة في صيدا وعلى ساحل بيروت، والشيعة في الضواحي الجنـــــوبية من العاصمة. يوجد سنة وشيعة في المدينة أما المسيحيون الموارنة فأبعد إلى الشمال، والكلام هنا كله لروبرت فيسك.

عذراً روبرت فيسك: ثمة من يسعى في الداخل والخارج لكي نرسم جميعاً خارطة مناطقية بالألوان لسورية، على أن يجري رسم هذه الخارطة استناداً لتقسيم سياسي بين مؤيد ومعارض ثم لينتهي بنا المطاف بخريطة على أساس مذهبي وهو الأخطر والمطلوب من بعض الغرب وبعض عشاقه.

وأخيراً وإذا ما استمرت الأحوال على هذا المنوال فمن غير المستبعد أن نشهد بعض التسميات الجديدة لفعاليات ومحال تجارية وعلمية من قبيل، مركز ‘انتحاري’ لتجميل السيدات، صالة ‘عبوة ناسفة’ للأفراح والمناسبات، ‘شبيح’ للصوتيات، ‘مندس’ للمرئيات، شركة ‘أحشاء وشظايا’ للصناعات الغذائية، مؤسسة ‘فرار وانشقاق’ للعلاقات العامة، ومركز ‘بومب أكشن’ للطب البديل.

‘ مراسل ‘القدس العربي’ في دمشق

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى