صفحات العالم

سورية من دون السوريين


حسام عيتاني

تحظى مشاريع الإصلاحات التي أعلنتها السلطات السورية بدعم من روسيا والصين وإيران والحكومة اللبنانية و»حزب الله».

يتجاهل السوريون، لعلة ما، رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا وصدور قانوني الإعلام والأحزاب، أي ما يمكن أن يشكل القاعدة القانونية لنظام تعددي يتمتع بحد أدنى من استقلال السلطات وتوازنها، خصوصاً بعد تأكيدات الرئيس بشار الأسد أن الدستور سيخضع لعدد من التعديلات.

وتراهن روسيا وإيران وباقي الحلفاء على نجاح الإصلاحات وتتذرع بها للامتناع عن فرض المزيد من العقوبات الدولية على النظام السوري الموغل في قتل المتظاهرين المدنيين، وتدعو الدول تلك إلى منح الأسد الفرصة والوقت الكافيين لتنفيذ وعوده الإصلاحية. تمر الفرصة المأمولة، حكماً، بوقف التظاهرات والسماح للحكم بمتابعة تطهيره البلاد من العصابات المسلحة. الحكمة من ذلك أن الإصلاح لا يمكنه السير جنباً إلى جنب الأعمال الإرهابية التي تقوم بها جماعات مأجورة للخارج.

وجاهة الذريعة هذه تدفعها إلى تجاوز الضرورات الإصلاحية والوقوف أمامها. فكيف يستوي حوار وإصلاح تقودهما الدولة مع أعمال إرهاب وقتل وتقطيع أوصال يمارسها مسلحون يتدفقون على سورية من الخارج أو يشتريهم الأعداء من بين شذاذ الأفاق وحثالة المجتمع السوري (بحسب كلمات أكثر من معلق مؤيد للحكم)؟ يقول المنطق السليم أن دحر العدوان المسلح يسبق في أهميته إضفاء السمات الديموقراطية على الحياة العامة في البلاد. وذروة المنطق السليم هو ما يخرج من أفواه المسؤولين في الحكم والنظام ومن آياته تلك الإحصائية عن عدد القتلى السوريين الذين يتوزعون بالتساوي بين جنود ومتمردين، وفق ما كشفت المستشارة الإعلامية للرئاسة السورية أثناء زيارتها موسكو. ومن لم يكن من ضحايا الجيش هو من قتلى المتمردين. ذلك أن المنطق الثنائي السقيم هو ما يحكم رؤية النظام إلى كل حوادث العالم. فمن ليس معنا هو ضدنا، سيان كان طفلاً أو امرأة أو شاباً قتل تحت تعذيب الزبانية.

المنطق الثنائي هذا، المسير للنظام في سورية والساعي إلى إضرام نيران الحرب الأهلية، لم يعد كافياً لحمل السوريين على تصديق روايته. فروايات العصابات المسلحة تفتقر إلى الإقناع والتماسك. وتأييد «أحرار وشرفاء العالم» للحكم السوري، يطرح أسئلة عن تعريف «الأحرار والشرفاء» المقصودين.

المشكلة الكبرى التي تواجه الأسد اليوم هي عدم توافر جمهور يسايره في ما يذهب إليه من روايات تخترعها أجهزة الأمن. ورغم أن «الإصلاحات» التي أجراها الرئيس السوري في الأشهر الستة الماضية تفوق كل خطواته التحديثية والإصلاحية مجتمعة في الأعوام الأحد عشرة التي أمضاها في قمة السلطة، إلا أن عطباً بنيوياً يرافقها منذ لحظة إعلانها وهو افتقارها إلى الصدقية.

فكل الإجراءات القانونية جاءت خالية من أي أثر ملموس سواء في كف يد الأجهزة الأمنية ومنعها من الإسراف في استباحة دماء الناس وحياتهم، أو في البدء بتغيير نمط عمل الأجهزة ونقلها من ترهيب المواطن وإذلاله كوسيلة لضمان دوام النظام ورموزه، إلى الحفاظ على أمن المواطن وصونه من أي تجاوزات مهما كان مصدرها. الأمر ذاته يصح في مجال القضاء والأحزاب والتظاهر والإعلام.

غياب الجمهور المؤيد للإصلاحات ليس إلا نتيجة أعوام طويلة من الإقصاء والإبعاد والطرد أي كل ما مارسته السلطات بحق المواطنين والمجتمع المدني (الذي لم يبق منه في سورية غير أنقاض)، وها هو الجمهور يرد بالامتناع عن الظهور على الساحة عندما يحتاج النظام إليه. لقد نجح الحكم في بناء سورية على صورته، سورية من دون السوريين.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى