صفحات العالم

سورية والتدويل المستعرب


رأي القدس

الازمة السورية تتجه حتما الى التدويل، فقد مهد قرار جامعة الدول العربية الذي طالب الرئيس الاسد بالتنازل عن سلطاته لنائبه السيد فاروق الشرع وتشكيل حكومة وحدة وطنية الطريق لدول اوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، للذهاب الى مجلس الامن الدولي لاصدار قرار بتدخل اممي لوقف اعمال القتل في سورية تحت عنوان توفير الحماية للمدنيين.

الحكومة البريطانية طالبت الجامعة العربية وامينها العام السيد نبيل العربي بحمل المبادرة العربية تلك الى مجلس الامن الدولي، وقال وزير خارجيتها وليم هيغ له، اي للسيد العربي، ‘اذهبوا الى مجلس الامن واطلبوا منه تمرير قرار يساعد على حماية الارواح في سورية’.

الذهاب الى مجلس الامن سهل من الناحية النظرية، ولكنه اكثر صعوبة من الناحية العملية، فالفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج جاهز لتعطيل مثل هذا القرار، لحماية مصالح البلدين في سورية وايران اولا، وللتعبير عن الامتعاض من الخديعة الكبرى التي تعرض لها البلدان من قبل امريكا والدول الغربية، عندما وافقا على قرار بحماية المدنيين في ليبيا تطور الى استخدام قوات حلف الناتو وطائراته لاطاحة النظام في ليبيا.

السلطات السورية رفضت بشدة مبادرة الجامعة العربية التي تطالب الرئيس الاسد بالتنحي، وسخر وزير الخارجية السوري من توجه الدول العربية الى مجلس الامن عندما قال في مؤتمره الصحافي ‘فليذهبوا الى نيويورك او حتى القمر فنحن لن ندفع ثمن بطاقات سفرهم’. ولكن ما غاب عن هذه السلطات ان مبادرة التنحي العربية هذه حصلت على ما يشبه الاجماع، ولم تتحفظ عليها الا دولة واحدة.

من المؤكد ان الضغوط الامريكية والاوروبية ستتكثف وتتضاعف على روسيا من اجل دعم قرار دولي ضد سورية، وقد تحدث مساومات خلف الكواليس لتليين الموقف الروسي، خاصة ان موسكو طالبت الرئيس السوري بالرحيل اذا لم يقدم على تنفيذ اصلاحات حقيقية، وجاء هذا الطلب على لسان فلاديمير بوتين الرجل القوي فيها.

القيادة الروسية تتمتع بدرجة عالية من البراغماتية، وتتقدم المصالح لديها على المبادئ، وهي ليست مستعدة لخوض حرب مع امريكا، او الصدام معها، من اجل سورية او العراق من قبلها، والا لما صمتت على قصف صربيا، والتضحية باوكرانيا، ونأمل ان نكون مخطئين.

ما يُطبخ حاليا للنظام السوري في الغرف المغلقة، يتلخص في الخروج بخطة تجمع بين المبادرة الخليجية في اليمن، والتدخل العسكري في ليبيا، فقد جرى نزع الغترة الخليجية عن المبادرة اليمنية، ووضع طربوش عربي مكانها بهدف تعريبها، اما ما يتعلق بالتدخل الخارجي فقد يأخذ طابع تشديد الحصار الاقتصادي قبل الانتقال الى اي عمل عسكري، على غرار ما حدث في ليبيا.

ما لا يدركه الكثيرون، سواء المؤيدين للتدويل او المعارضين له، ان سورية تنزلق بسرعة الى حالة من الفوضى الدموية، فالانتفاضة التي بدأت سلمية تدخل بسرعة الى طابع العسكرة، والحرب الاهلية بدأت تتصاعد وتيرتها، وما مقتل قسيس مسيحي في حماة، ومندوب سوري في لجنة الصليب الاحمر الدولي في ادلب، والتفجيرات المتتالية في دمشق الا احد ارهاصات هذه الحرب.

ربما يجادل بعض المعارضين بان النظام هو الذي يطبق مثل هذه العمليات للايحاء بان هناك قوى ارهابية تستهدف أمن البلاد واستقرارها، والنظام الذي تسبب حتى الآن بمقتل ستة آلاف مواطن سوري لا يتورع عن ذلك، ولكن لا نعتقد ان هذا النظام الذي لم يبق له غير الامن للحفاظ على وجوده يمكن ان يقبل بهز صورته الامنية، وثقة مؤيديه او من تبقى منهم.

وتكفي الاشارة الى انسحاب قواته من منطقة الزبداني وتركها للجيش السوري الحر وسيطرته عليها.

الحل العربي انتهى في سورية بقرار الجامعة الذهاب الى مجلس الامن الدولي، والحل الامني الذي يتبناه النظام لحسم الوضع على الارض والقضاء على الانتفاضة قد فشل بدليل استمرار الاحتجاجات لاكثر من عشرة اشهر، الشيء الوحيد الذي يغفل الجميع عن التعاطي معه، بل الاعتراف بوجوده هو الفوضى والحرب الاهلية الطائفية، وهي حرب قد تشعل فتيل حرب اوسع في المنطقة بأسرها تمتد لسنوات ان لم يكن لعقود. وليس المهم هنا هو القول من هو المسؤول، ولا نتردد في تحميل النظام المسؤولية الكبرى في هذا الاطار، ولكن المهم هو ما يمكن ان يحدث من نتائج كارثية على الجميع في نهاية المطاف.

المبادرة الخليجية نجحت في اقناع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بالرحيل بعد مراوغات دامت اكثر من خمسة اشهر، ترى كم ستحتاج المبادرة العربية واصحابها من الوقت لاقناع الرئيس الاسد بالرحيل، ثم كيف سيكون حال سورية وماذا سيتبقى منها اذا ما وصلوا الى هذه النتيجة؟

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى