صفحات سورية

سورية والحوار الوطني الخجول..!؟

 


جهاد نصره

يحكى اليوم عن بعض الاتصالات الخجولة التي أجرتها السلطة بهدف استبيان آفاق حوار مع الآخر في الداخل الوطني غير أن الطريقة شبه السرية التي أحاطت بهذا التوجه..! ولأنها اقتصرت حتى الآن على كتاب رأي ولم تشمل نشطاء سياسيين وحقوقيين وأحزاب ومنظمات سياسية معارضة بمن فيها الكردية والآشورية فإن ذلك يعني بصريح العبارة أن بعض أطراف السلطة لم تقتنع بعد بحقيقة أن الواقع السياسي المستجد يتطلب حواراً وطنياً جامعاً لا يستثني أحداً..! وهو يعني أيضاً أن بعض هذه الأطراف تؤكد حقيقة أنها عصية على ( الإنصلاح ) فكيف السير على طريق الإصلاح المقنع وذلك بالرغم من الدماء التي سفكت خصوصاً أن هذه الأطراف بقيت طيلة عقود مطمئنة مسترخية في مستنقع الركود والخمول الشعبي الذي أنتجته بنفسها وأشرفت على ديمومته بقبضتها..! وقد شاركها في هذه المعصية الكبيرة بالضد من كل منطق سياسي أخلاقي عجائز الأحزاب الجبهوية التقدمية الذين ظلَّت تعتبرهم ـ ولسنا متأكدين إن كانت جادة في ذلك ـ إلى ما قبل حلول اللحظة الكاشفة هذه الأيام ممثلين بارعين ( عز الطلب ) لكافة أطياف المجتمع السوري لكن، هاهي اللحظة التاريخية حلَّت.. هي لحظة الحقيقة التي تتطلب جرأة النظر في المرآة هذه المرة لا في وجوه الحاشية الحرنبائية المتزلفة أو وجوه عجائز الأحزاب الحليفة أو الهتافين من الجماعات المليونية الطارئة والمؤقتة أو الأبواق التي لم تكف يوماً عن الدجل الإعلامي والدجل والجهل صنوان كما يقال…!؟.

طيب: اليوم وبعد تفجر الأزمة الوطنية.. ولأن تاريخ بلداننا ديني قولاً واحداً بما يعني أن الدين كان ولا يزال المقوم الأول والركن الأساس والموروث الراسخ في بناء وصيرورة الإنسان العربي جيلاً بعد جيل فإن هذا يسمح بالقول: لقد حفل هذا التاريخ مثلما حفل تاريخ الأمم الأخرى بنزاعات دينية وصراعات مذهبية وطائفية وعرقية..! ولا يعقل الظن هذه الأيام بأن الأناشيد المكرورة والمملة عن الوئام والسلام والمحبة والوحدة الوطنية التي أنتجتها أنظمة الاستبداد الحديث يمكن أن تطمس حقائق التاريخ فحين الملمّات والأزمات سرعان ما تندلق أحشاء المجتمع ليظهر على السطح كل ما جرى السكوت عنه أو ما جرى تزييفه أو تجميله أو نكرانه كما لا يمكن في نفس الوقت تصور أن يكون للتنظيمات الدينية أي دور في عملية الخروج من النفق وذلك نابعٌ من حقيقة أنه ليس هناك مهرب لمن يبحث عن الخلاص من أزماته من رؤية المسائل على حقيقتها واستخلاص الدروس والعبر من التاريخ فإذا ما حصل ذلك في الحالة السورية فإن المسار الوحيد الآمن والحاسم يبدأ من بوابة الإقرار بمسألة فصل الأديان ورجالاته عن منظومة الدولة والعمل السياسي وهذا ما لا ترتضيه الأحزاب و التنظيمات الدينية إنه من غير ذلك سيبقى المجتمع مفتوحاً على كل أنواع الصراعات المذهبية والطائفية من جهة ومشرع الأبواب أمام مختلف أشكال التدخلات الخارجية من جهة ثانية…!؟

ربما يحار المرء ( ليس أي مرء ) في أن آلهة المتدينين على تنوع دياناتهم ـ وهي آلهة تحب الجمال والسلام كما يؤكد المتدينون ـ لم تتدخل ولا مرة منذ بدأت حكاية الأديان التوحيدية لتكبِّل مخلوقاتها أو تمنعهم أو تأمرهم بالتوقف عن نحر بعضهم البعض بكل وحشية وبشاعة في حين أن آلهة الاستبداد السياسي الحديث تمكنوا من فعل ذلك ولو بمقدار بعد أن ضبطوا مجتمعاتهم وتحكموا بصراعاتها وخلافاتها وابتدعوا من أجل ذلك آليات وتشريعات مناسبة من قبيل حالات الطوارئ وقوانين الأحكام العرفية وغيرها…!؟

وإذا كانت مسألة فصل الدين عن الدولة والسياسة عملية جراحية لا بد منها في دول العرب فإن سورية على وجه الخصوص أكثر احتياجاً لمثل هذه العملية بأضعاف مضاعفة فالصراع في ـ مصر ـ على سبيل المثال منحصر بين أهل السنة والجماعة من جهة والأقباط من جهة ثانية في حين أن الأمر في سورية أكثر تعقيداً وتنوعاً وخطورة فزيادة على وجود هذين القطبين الإسلامي والمسيحي فإن المسلمين يتوزعون بين أغلبية سنية بتنوعاتها الرسمية والسلفية والأصولية وأقليات مذهبية عديدة شيعة ـ علويين ـ دروز ـ اسماعيليين ـ مرشديين ـ كما هو حال التعدد المسيحي روم كاثوليك ـ روم أرثوذكس ـ أرمن أرثوذكس ـ أرمن كاثوليك ـ سريان أرثوذكس ـ سريان كاثوليك ـ موارنة ـ بروتستانت ـ آشوريين. ويضاف إلى هذا الخليط الديني المذهبي تنوع عرقي ولغوي ثري الأمر الذي يعني تعدداً في الثقافات فهناك الأكراد والأرمن والشركس والتركمان والسريان واللاتين واليهود ( هاجر معظمهم ) علماً أن جميع الأقليات الإسلامية والمسيحية والعرقية منتشرة ومتداخلة على كامل مساحة الجغرافيا السورية.. فهل علينا انتظار وثيقة مسرَّبة من ـ ويكيلكس ـ لنستدل على حقيقة أنه على رجال الدين التفرغ الكلي لعباداتهم وطقوسهم بدلاً من الانشغال بالسياسة وتبعاتها وخصوصاً أنها تبعدهم عن ربهم الأعلى..!؟

بعد ما تقدم يمكننا القول: إن كل حوار وطني يهدف إلى مقاربة المخارج الممكنة و يتوقف عند حدود الإصلاح الذي جرى الحديث عن عناوينه مراراً وتكراراً سيكون على الأغلب حواراً التفافياً قد يساهم في تسكين وإخماد مسببات الأزمة لا حلها.. إن وضع العملية الجراحية الموصوفة بالعلمنة على سلّم الأوليات هو الذي يكفل العبور نحو الحل وأول مستلزمات هذه العملية (( دستور )) جديد تتم صياغته بأيدي كافة المؤمنين بقيامة سورية الحديثة وعلى هذا يصح لأيٍ كان أن يسأل: كيف يستقيم الحديث عن قانون أحزاب أو قانون انتخابات أو غير ذلك من قوانين في ظل بقاء الدستور الذي نصَّب وكرَّس حزب البعث راعياً أوحداً للدولة والمجتمع وما بينهما…!؟ إن الإعلان عن إلغاء المادة الدستورية التي شرعنت هذه الكارثة الوطنية مقدمة لازمة يجب أن تسبق أي حوار يراد له أن يكون جدياً حتى ولو كان المطلوب لاحقاً صياغة دستور جديد فهذه الخطوة وحدها التي توفر شرط المصداقية كما توفر الأرضية المنطقية الصالحة لأي حوار منتج وإن غداً لناظره لقريب…!؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى