صفحات المستقبلمالك ونوس

سورية وحل “اللا حل”/ مالك ونوس

 

 

في ظل العجز، وأحياناً الامتناع، عن إيجاد حل للصراع في سورية، تزداد معاناة الشعب السوري وتتعدد فصولاً، ولا تستثير سوى حلول لم يكن الشعب يفكر، حين بدأ حراكه، في أنها ستطرح يوماً ما لصياغة مستقبله. حلول تتراوح بين حسم عسكري طال انتظاره حتى استحال، وتقسيم على أساس إثني، يرى محللون كثيرون صعوبة تحققه على أرض الواقع، للتداخل الديمغرافي في البلاد، وتداخل عوامل التكامل الاقتصادي بين أجزائها، وتوضع هذه الأجزاء الجغرافية، إضافة إلى غياب مصلحة بعض دول الجوار في التقسيم. وتبرز في السياق عدم جدية، أو رغبة، المجتمع الدولي، وخصوصاً المُؤثِّرين فيه، في إيجاد الحلول، ووقوفه متفرجاً على البلاد تتدمر، والشعب فيها يباد، ووصول الحرب فيها إلى دائرة اللامعقول. وكلها معطيات تؤكد أن ما يراد لسورية هو بقاء الوضع فيها من دون حل لأجلٍ قد لا يعرفه، أو يعرفه، جميع الفاعلين على الأرض، أو في دوائر القرار. وهو ما يحفز طرح سؤالٍ، يبدو استنتاجياً أو ربما خطيراً، وهو: هل هنالك انعدام لحل الصراع في سورية، أم أن هنالك من يعيق إيجاد حل؟

والملاحظ أنه، بالإضافة إلى الخلافات والعداوات الموجودة بين فرقاء الصراع في سورية، هنالك خلافات وعداوات بين القوى الإقليمية والدولية الداعمة هؤلاء الفرقاء، وهو عامل مؤخِّر ومانع لإيجاد حل لهذا الصراع. فعلى الصعيد الإقليمي، هنالك خلافات بين دول الخليج وتركيا من جهة وإيران من جهة أخرى، وخلافات بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى. خلافات تكرست ووترت العلاقات بين الفريقين، بعد أزمة أوكرانيا العام الماضي. وهي عوامل تزيد الشروخ بين المتصارعين، وتغذيها وتزيد في شرذمة المعارضين منها، وهو عامل من المؤكد أنه يعطل أي حل. وقد تبدى تأثير هذه المتناقضات في المؤتمرات الدولية والإقليمية التي عقدت في جنيف والقاهرة وموسكو وغيرها، فألقت بظلها بقوة، مانعة حصول أي تقدم على صعيد الحل السلمي.

ففي حين تعترف دول كثيرة بالنظام السوري ممثلاً للدولة السورية، وخصوصاً في المحافل الدولية التي يوجد لديه فيها ممثلون يتكلمون باسمه، ويشار إليهم ممثلين عن الحكومة السورية، يستمر تشرذم المعارضة، وتعدد الناطقين باسمها، بسبب تعدد الفرق المقاتلة على الأرض، وغياب التنسيق فيما بينها، وأحيانا وجود اختلافات تمنع هذا التنسيق. وعلى الرغم من أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة المعارضة السورية يعد التجمع الأكثر انسجاماً بين المكونات السياسية للمعارضة السورية، إلا أنه يفتقر إلى التمثيل المعتبر على الأرض، وبين الفصائل المقاتلة الذي يخوله ليكون ممثلاً لجميع تلك الفصائل وللناشطين العاملين في الداخل السوري. وكان الجيش الحر المكون الأكثر تبعية للائتلاف، إلا أنه فقد الكثير من عوامل قوته وفردانية تمثيله لقوى المعارضة المسلحة، بعد ظهور التنظيمات الإسلامية المقاتلة، وبعد تكوين كل منطقة تنظيمها المقاتل الخاص بها، والتي لا تجمعها مع بعضها، أو مع الجيش الحر، أية علاقات. أعطى هذا الأمر للنظام عامل قوة في المفاوضات التي كانت تجري، أو التي يمكن أن تجري مستقبلاً، عمادها غياب ممثل حقيقي ومؤثر للقوى المعارضة المقاتلة، أو للناشطين السياسيين. وإلى حين تكوّن ذلك الممثل الوحيد والفاعل لجميع الفصائل المعارضة، السياسية منها والعسكرية، يستمر الحال على حاله، في غياب الحلول التي يمكن أن تفرضها المعارضة، أو تطرحها على أي طاولة للمفاوضات، بغية التوصل إلى اتفاق، تمتلك هي ممثلاً مخولاً بالتوقيع عليه.

“أصبح شرط إيجاد حل دائم في سورية هو دحر داعش. وصعوبة دحر داعش أصبحت، مع تنامي قوتها، تتماشى مع التصورات التي أطلقها مسؤولون أميركيون منذ حوالى العام، ومفادها بأن الحرب على داعش ستستمر ثلاثين عاماً”

وبعيداً عن الكلام عن الحل السياسي والمفاوضات التي يمكن أن تجري للتوصل إليه، فإن الفصائل المتطرفة التي أعلنت نفسها إسلامية، مثل جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي فرضت نفسها بقوة على الواقع السوري، وحازت رقعة جغرافية لا يستهان بها من مساحة البلاد، لديها أجندات خاصة بها، ومختلفة عما طرحه، أو يمكن أن يطرحه ممثل فاعل للمعارضة السورية. فهي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في سورية، مخالفة للدولة المدنية التي نادى بها الحراك السوري، وبعض الفصائل المعارضة. علاوة على أن لدى داعش أجندتها العابرة للحدود، وبالتالي الهاضمة لكل المكونات التي تعترض طريقها. وفي الحديث عن فرض حل يمكن أن يقبله هذان الفصيلان، نتبين أن داعش، على سبيل المثال، شبت عن طوق أي داعم دولي لها، حين أوجدت مصادر تمويل خاصة بها، متمثلة في النفط والغاز السوريين، علاوة على تجارة تهريب الآثار التي تدر عليها مبالغ طائلة، تضاف إلى عوائد النفط والغاز، وهو ما يخولها عدم الانصياع لأي أوامر، أو حتى تمنيات لقوى داعمة، مع بقاء هوية داعم، أو داعمي، داعش لغزاً حتى الساعة. فضلاً عن عدم قدرة من أعلنوا أنفسهم محاربين لداعش من فرض حل بقوة سلاح لم يستخدموه بفاعلية في مواجهتها إلى الآن.

ومع بروز قوة داعش المهيمنة باحتلالها نصف مساحة البلاد، بعد سيطرتها على تدمر ومناطق في جنوب البلاد وغربها، واستمرار مناوشاتها في الجزيرة السورية وحلب، تعقّد المشهد السوري أكثر، لعدم وجود قوة يمكنها الوقوف في وجه داعش، سواء من جهة النظام أو من جهة المعارضة. وأصبح شرط إيجاد حل دائم في سورية هو دحر داعش. وصعوبة دحر داعش أصبحت، مع تنامي قوتها، تتماشى مع التصورات التي أطلقها مسؤولون أميركيون منذ حوالى العام، ومفادها بأن الحرب على داعش ستستمر ثلاثين عاماً. وهي تصريحات دعمها الرئيس الأميركي أوباما، حين أعلن في قمة كامب ديفيد التي جمعته وقادة خليجيين، في مايو/أيار الماضي، أن “الموقف في سورية معقد للغاية، ولا يوجد حل قريب”. كلام ومعطيات تكرس السؤال المعلق، وهو: “لماذا لا يوجد حل للصراع في سورية؟”.

العرب الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى