صفحات العالم

سورية وخطر التدخل الأجنبي

 


رأي القدس

قدرت أوساط غير رسمية عدد الشهداء الذين سقطوا برصاص قوات الامن السورية يوم ‘الجمعة العظيمة’ بأكثر من مئة شخص، معظمهم من المدنيين، والأكثر من ذلك ان حوالي عشرة أشخاص استشهدوا يوم أمس الاول أثناء تشييعهم الشهداء الى مثواهم الأخير.

هذا الاستخدام المفرط للقوة، وبهدف القتل يزيد من الأزمة الراهنة تعقيدا، ويوسع الفجوة بين السلطة والمتظاهرين، مما يجعل اي محاولة للوساطة أو المصالحة لحقن الدماء من الأمور المتعذرة إن لم تكن مستحيلة.

لا نفهم لماذا تقدم قوات الأمن السورية على إطلاق النار بهذه الوحشية على المتظاهرين، مثلما لا نفهم أيضا لماذا تتصدى للجنائز وتقتل المشاركين فيها، أو عددا كبيرا منهم بالصورة التي شاهدناها يوم أمس الاول.

السلطات السورية تتحدث عن مؤامرة خارجية تستهدفها، وتشير بأصابع الاتهام الى الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، وربما تكون هناك مؤامرة فعلا، ولكن التغول في قتل المتظاهرين، سواء من قبل قوات الأمن أو جماعات الشبيحة الموالية للنظام، يسهل تطبيق هذه المؤامرة بل وانجاحها بما يؤدي الى تحقيق أهدافها في زعزعة استقرار البلاد وتمزيق نسيجها الاجتماعي، واشعال فتيل الحرب الاهلية الطائفية التي يحذر منها الجميع.

استقالة عدد من النواب وأعضاء المجالس البلدية هي بداية ظهور موجة احتجاج من داخل النظام نفسه، وهي ظاهرة غير مسبوقة على الاطلاق.

فعندما يستقيل اثنان من نواب درعا في مجلس الشعب السوري احتجاجا على المجازر التي ارتكبتها قوات الامن في المدينة ومعهم أعضاء في المجلس البلدي، فهذا يعني ان النظام السوري بدأ يواجه تمردا داخليا ربما تتسع دائرته فيما هو قادم من أيام، تماما مثلما حدث في حالات ليبيا واليمن وتونس في ذروة الثورات الشعبية.

الاستقالات الاحتجاجية المسببة ترتقي الى مستوى الخيانة العظمى في عرف السلطات السورية. فمن غير المسموح للنائب البرلماني، أو المسؤول في الدولة، ان يستقيل من منصبه، واذا فعل ذلك فانه يواجه أشد العقوبات، ولهذا لم نسمع مطلقا ان نائبا أو وزيرا أو مسؤولا كبيرا في الدولة قدم استقالته، وانما سمعنا انباء عن إقالة هؤلاء أو اعفائهم من مناصبهم الكبرى في الدولة، واحيانا نحرهم، والقول بعد ذلك انهم أقدموا على الانتحار، وهذا ما حدث لاثنين من المسؤولين الكبار على الاقل، مثل اللواء غازي كنعان وزير الداخلية السابق، والسيد محمود الزعبي رئيس الوزراء.

اننا نخشى ان يؤدي هذا التغول الأمني الى توفير الذرائع للقوى الخارجية للتدخل في الشأن السوري على غرار ما حدث في ليبيا، وهو أمر خطير ومرفوض بكل المقاييس، فاذا كانت هناك مؤامرة فعلا فإن أحد أبرز فصولها أو بالأحرى احدى محطاتها، ارسال قوات الى سورية تحت ذريعة حماية المدنيين، وهناك جهات سورية بدأت تطالب فعلا بفرض حظر جوي على بعض مناطق البلاد للغرض نفسه.

الشعب السوري يطالب بإصلاحات سياسية، ولكن سفك دمائه بالطريقة التي شاهدناها في درعا وحمص ودمشق وغيرها، ربما يضفي المشروعية على المطالب بتغيير النظام، حتى لو جاء ذلك من خلال التدخل الخارجي، ولذلك لا بد من الحذر وسيادة لغة العقل حقنا للدماء الزكية الطاهرة، ومنعا لتدمير سورية من خلال الفتنة الطائفية التي يعمل على تفجيرها الكثيرون في الجوار العربي، والفضاء الخارجي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى