سلامة كيلةصفحات سورية

سورية: 2011 ليست امتداداً لأحداث 1980/ سلامة كيلة

 

 

منذ بدء الثورة السورية، عمد النظام بوعي إلى ربطها بأحداث سنوات 1979/ 1982، حيث خاضت جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم الطليعة المقاتلة حرباً مسلحة ضد النظام، ردّ عليها بعنف، وانتهت بتدمير أحياء عديدة في مدينة حماة. وكانت الأحداث قد بدأت بقتل إبراهيم اليوسف جنوداً في مدرسة المدفعية في مدينة حلب.

وكان هدف الربط هو تخويف السوريين العلويين من الثورة عبر ربطها بأحداث سابقة، ظهرت وكأنها صراع طائفي، قام النظام خلاله بتصفية جماعة الإخوان المسلمين بوحشية، من أجل القول إن الجماعة تقوم عبر ما يجري بالانتقام من العلويين الذين يُحمّلون وزر المجازر التي قام بها النظام نفسه، من خلال المماهاة بين النظام والعلويين. وذلك كله من أجل إخافة العلويين من الثورة، ودفعهم إلى الالتصاق به، كونه يستخدم فئات منهم في “بنيته الصلبة” التي سيواجه الثورة بها.

اعتبرت جماعة الإخوان كذلك أن ما حدث، منذ 15 مارس، آذار امتداداً لأحداث تلك السنوات. وظلت تشير إلى أسبقيتها في مواجهة النظام، وتقديمها “آلاف الشهداء”. وكان هدفها هو القول إنها القوة التي يجب أن تقود الثورة، وأن تصبح هي السلطة الجديدة. وقد كرَّر قادتها هذا الربط مراتٍ كثيرة، وعملوا على تكريسه بإحكام. ولا شك في أن إطلاق إسم ابراهيم اليوسف الآن على معركة حلب هو من باب هذا التكريس، بعد أن تراجع دورها الفعلي، وتهمّش دورها السياسي، حيث يبدو أنها تعود الآن من بوابة جبهة النصرة (سابقاً) وجبهة فتح الشام راهناً.

نلمس هنا التطابق في استخدام الرمز بين الجماعة والنظام. وعلى الرغم من أن النظام استنفذ أغراضه من ذلك، تعود الجماعة إلى تأكيده. خصوصاً بعد أن نجح النظام في الوصول إلى ما أراد منه، حيث كان هذا الربط عنصراً مهماً من جملة عناصر، جرى استخدامها لتخويف العلويين (بينها طبعاً عدنان العرعور). ليبدو أنها تصرّ على أن ما جرى سنة 2011 من ثورة شعب هو امتداد لما قامت به هي نهاية سبعينات القرن العشرين، وسنوات 1980/1982، ولتؤكد أنها تريد الانتقام، بالضبط كما صور النظام الأمر.

بين سنوات 1980/1982 وسنة 2011 تحولات واختلافات كبيرة، أولها أن طبيعة الصراع مختلفة، وأن الأهداف مختلفة كذلك، وهي مختلفة جذرياً، إلا إذا اعتبرنا أن هدف الثورة هو إسقاط النظام “الأقلوي”، لكي تحكم “الأغلبية السنية”، وهذا ما يتناقض مع جوهرها وشعاراتها ومطالب الشعب الذي قام بها.

“ما يقوم به كل الأصوليين، هو ركوب الثورة لفرض منظور معادٍ لها، وجاءت استعادة اسم إبراهيم اليوسف لتأكيد ذلك، حيث أنه يستعيد “كابوس” سنوات 1980/1982″

في نهاية السبعينات، كانت الأصولية “الإسلامية” تنتشر بدعم سعودي مباشر، بهدف “تصفية الحساب” مع حركات التحرّر، وكل الأفكار القومية والاشتراكية والتحررية. وقد خاضت تلك الأصولية الصراع على هذه الأرضية، وليس لأن النظام السوري استبدادي، أو يستغلّ الشعب. وانطلقت من منظور طائفي ينطلق من صراع “السنة” ضد “العلويين”، وليس ضد النظام السياسي المتحكّم بالسلطة. لهذا، مارست القتل على الهوية (كما فعل إبراهيم اليوسف، وفعلت الجماعة ضد شخصيات “علوية”). بالتالي، كانت معركة الطليعة المقاتلة والجماعة هي تصفية الحساب مع مرحلةٍ كانت تشهد ميلاً إلى النهوض، وتحقيق مطالب الشعب، لمصلحةٍ وهابية معمّمة، وحربٍ طائفية تفكيكية.

وقد ظهر واضحاً حينها أن هذه الحركة هي تعبير عن فئات “محافظة”، تطرح ما هو معاكس لمسار الواقع، وهو ما جعلها معزولةً عن الشعب، ومثّلت مجموعاتٍ قامت بعمل إرهابي، ليس ضد أفراد النظام فقط بل ضد المؤسسات الاستهلاكية والحافلات العامة والسينمات (كما مارست في حلب)، ورفعت شعارات ضد اليسار كذلك. فكان واضحاً أنها تفرض “أصوليةً” على المجتمع، وحرباً طائفية ضد النظام الذي كانت توصمه بأنه علوي، على الرغم من أنه كان يستند الى تجار دمشق الذين تدخلوا معه لمواجهة الجماعة. وفشلت في تحقيق ما تريد نتيجة رفض الأغلبية الشعبية لها، وبالتالي، قدرة النظام على حصارها في بعض المدن، والقيام بمجزرة حماة سنة 1982 لـ “تأديب” الشعب السوري كله، حيث قام بعملية اعتقالات واسعة ضد كل أحزاب المعارضة اليسارية.

سهّل صراع الجماعة مع النظام عليه سحق كل المعارضة، وتشديد الطابع الاستبدادي، والاعتماد أكثر على “علويين” في المواقع الحساسة في الدولة، لكنه عزَّز كذلك علاقة النظام بتجار دمشق وحلب، وسمح لهم بتعزيز نشاطهم الاقتصادي.

بلا شك، الوضع مختلف عما حدث منذ 15 مارس/ آذار سنة 2011، حيث لم يكن لأي قوة سياسية دور، بل جاء ما حدث حراكاً شعبياً توسع ثورةً من أجل إسقاط النظام. هنا، كانت الأغلبية الشعبية هي التي تندفع إلى إسقاط النظام، بينما عملت المعارضة على ركوب الحالة، وعملت جماعة الإخوان المسلمين على تصوير الحراك “إسلامياً”، واشتغلت على أن تصبح “الممثل” له، من خلال دعم دول خارجية، وليس نتيجة وجود شعبي. وما هدفت إليه الثورة هو الحرية والديمقراطية وتحقيق مطالب الشعب التي هي، في جوهرها، “اقتصادية”، تتعلق بالقدرة على العيش، بعد انهيار الوضع المعيشي لنسبة كبيرة من الشعب. وبالتالي، هي تطرح ما يناقض كل منظور الجماعة، وكل المجموعات الأصولية، وما يعبّر ليس عن ميل فئةٍ أصوليةٍ، تريد فرض نظام قروسطي يميّز بين المواطنين على أساس الدين والطائفة، ويفرض قوانين مغرقةً في الرجعية، ونظاماً استبدادياً أكثر شمولية من النظام القائم.

ما قامت به الجماعة منذ بدء الثورة، وما يقوم به كل الأصوليين، هو ركوب الثورة لفرض منظور معادٍ لها، وجاءت استعادة اسم إبراهيم اليوسف لتأكيد ذلك، حيث أنه يستعيد “كابوس” سنوات 1980/1982، ويخيف ليس الأقليات فقط، بل أغلبية الشعب الذي لم يكن مع صراع الجماعة في تلك السنوات. إبراهيم اليوسف هو رمز لصراع طائفي، ولا شك في أن أبو فرات هو رمز الثورة، رمز “البطل الشعبي” الذي يريد إسقاط النظام من أجل سورية. هذه القطيعة بين سنة 1980/1982 وسنة 2011 يجب أن تحدث، بالضبط لكي تنتصر الثورة.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى