صفحات سورية

سوريةô التغيير أو الرحيل

 


د. أميمة أحمد

دخلت الثورة الشعبية في سورية أسبوعها السادس حتى الآن، ولا يبدو أنها تتوقف، بل ماضية لتحقيق ما خرجت من أجله، الحرية للشعب السوري الذي كاد ينسى معنى التعبيرعن نفسه، لدرجة أصبح يخشى الجدران وأقرب المقربين خوفا من الوشاية للأمن، وكثيرون قضوا سنوات من دون محاكمة نتيجة وشاية أو تقرير لمخبر حاقد.

بخروج شجعان درعا انكسر حاجز الخوف، أجل خرج الشعب السوري من أسر الخوف ورهبة المخابرات. والنظام السوري الذي حكم بالحديد والنار لأربعين عاما، وبقي منتشيا بقبضته الأمنية، تحت شعارات قومية جعلت القاصي والداني خارج سورية يصدقها، إلا السوريون أنفسهم كانوا يعلمون أنها ستارة لبقاء النظام مثل شعارات ‘دولة مواجهة، ممانعة، ترفض املاءات الخارجية، مستهدفة لأنها تدعم المقاومة.. وغيرها من شعارات’ حبس بها أنفاس الشعب السوري بالمعركة والتحرير، في وقت لازالت الجولان محتلة حتى اليوم، لذا تفاجأ النظام حد الارتباك والقسوة المفرطة بالتعامل عندما خرجت أولى طلائع المنتفضين من درعا، ومنها انتشر قبس نورهم إلى باقي ربوع القطر السوري .

اعترف النظام بشرعية مطالب المحتجين، ووعد بالإصلاحات، تلك الإصلاحات التي وعد بها الرئيس بشار الأسد منذ أن أقسم اليمين الدستورية عام 2000، ثم أكدها في 2005 في مؤتمر حزب البعث، واليوم على هدير الانتفاضة يعد بها مرة ثالثة .

رفع المحتجون مطالب محددة: رفع حالة الطوارئ، إطلاق سراح المعتقلين خلال الانتفاضة، ومعتقلي الرأي المحكومين وغير المحكومين، بمعنى تبييض السجن السياسي من نزلائه، وعودة المنفيين قسرا (المهجّرين لأسباب سياسية) من دون قيد أو شرط، وتعديل الدستور بما يتماشى ودولة مدنية، وهذا يعني شطب المادة 8 من الدستور التي تنص على أن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع، ومن المطالب أيضا قانون الأحزاب، وقانون الإعلام، وقانون انتخابات يسمح للجميع بالمشاركة بالانتخابات بعدما كانت المشاركة محصورة على الجبهة التقدمية (أحزاب مجهرية تنضوي تحت لواء البعث) التي يرأسها حزب البعث الحاكم ومستقلين من أتباع النظام، تسمية مستقل للديكور لا أكثر ولا أقل .

وطالما لدى الرئيس بشار الأسد نية الإصلاح منذ استلامه السلطة يفترض أن تكون مشاريع قوانين الإصلاح جاهزة، أو على الأقل لديه تصور للإصلاح، لكن تبين أن كل تلك الوعود كانت للدعاية السياسية وليس للفعل السياسي الجاد، وهذا يفسر تأخر النظام في الاستجابة لمطالب المتظاهرين، مثلا حالة الطوارئ التي أقرها ضباط بعثيون عام 1963 بعدما استولوا على السلطة بانقلاب عسكري، وصار الطارئ حالة دائمة، فالدستور السوري يخول رئيس الجمهورية رفع حالة الطوارئ بمرسوم رئاسي، لكنه للأسف لم يفعل بل اكتفى بالتوقيع على مشروع قانون رفع حالة الطوارئ، ولريثما تنفذه الحكومة نقضي سنوات أخرى تحت حالة الطوارئ المرفوعة إعلاميا والباقية بالواقع، وأيضا إطلاق سراح معتقلي الانتفاضة على الأقل، ولم يفعل، وأطلق بعضهم على دفعات أعطت انطباعا بالابتزاز السياسي، فيما غض الطرف عن سجناء الرأي المحكومين بأحكام جائرة .

 

واللافت بدلا من الاستجابة لمطالب المتظاهرين راح وشكل حكومة على رميم حكومة العطري، يرأسها عادل سفر، وزير الزراعة الذي أودى بالزراعة السورية إلى الهاوية بسبب فساده، حينما اشترى بذورا منتهية الصلاحية، ومنع استخدام المياه الجوفية بحجة الجفاف، فأصبحت سورية مستوردة للقمح بعدما كانت الدولة العربية الوحيدة التي تصدر القمح الفائض عن حاجتها، فهل هذا يؤتمن على التغيير يا دكتور بشار؟ وهل انعدم النزهاء في سورية حتى تستعين بالفاسدين؟

لعمري ما خرج الشباب السوري كاسرا طوق الخوف من أجل تغيير ناجي العطري بعادل سفر ‘موسى الحاج، بالحاج موسى’ والرئيس بشار يعرف ذلك جيدا أو يفترض أنه يعرف أن الحكومة ليست سوى حجر شطرنج في رقعة المنظومة الأمنية السورية، التي تتكون من سبعة عشر جهاز أمن، كلها مكرّسة لقمع المواطن، وهي المتنفذة بالسياسة السورية، ولعل إقالة رئيسة تحرير جريدة ‘تشرين’ الصحفية مسالمة مثال صارخ على سطوة الأمن حينما أبلغها ضابط أمن بانتهاء مهامها، ولم تأت إقالتها من وزير الإعلام. وهنا جوهر الأزمة السورية يا سيادة الرئيس، فالأزمة في بنية النظام القائمة على سيطرة الأجهزة الأمنية على السلطة، فهذا النظام بناه الرئيس الراحل حافظ الأسد على ‘الكل الأمني’، حيث شكل أجهزة أمنية مختلفة، وبنفس الوقت غض الطرف عن فساد هذه الأجهزة، وهذا يسمى بعلم السياسة الحديث ‘الرشى السياسية’، يعني غض الطرف عن فسادهم مقابل الولاء المطلق له، وإلا أخرج ملفاتهم السوداء وفضحهم على الملأ.

وسارت القبضة الأمنية بعهد الأسد الأب مثل الساعة السويسرية، لا يجرؤ أحد من قادة الأجهزة الأمنية على رف عينيه أمام الرئيس حافظ الأسد، الذي استخدم هذه الأجهزة كأدوات في حكم سورية، ورجال الأمن لا يطبق عليهم القانون الجنائي وفق المرسوم /4 /الصادر في 25 كانون الثاني/يناير 1969 ‘لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم، أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير’، وبالتالي لا يطبق القانون على ما يرتكبه رجال الأمن من جرائم، ولعل المجازر التي ارتكبت في عهد الأسد الأب كرست إطلاق يد الأمن ضد كل من تسول له نفسه أن يجهر برأي يخالف رأي النظام، فمجزرة حماه عام 1982 في مواجهة مع الأخوان المسلمين، راح فيها ما لا يقل عن 30 ألف ضحية، ومجزرة سجن تدمر العسكري راح فيها نحو 1500 ضحية، ومجازر أخرى، حدثت أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، ولم يحاسب أي من مرتكبي تلك الجرائم التي تصنف ‘جرائم ضد الإنسانية’، ونشطت دعاية النظام ‘بالمؤامرة الخارجية’. يومها لم تكن وسائل الاتصال الحالية، الفضائيات والانترنت والفيس بوك وتويتر، وبلاك بيري، لذا مرت تلك المجازر بتعتيم إعلامي محكم، ولا توجد صورة عن تلك المجازر حتى الآن، بينما انتفاضة سورية اليوم ورغم الحصار الإعلامي لها لتصوير ما يجري في سورية، خرجت صور المظاهرات والشهداء والمناظر البشعة لقوات الأمن تسحل وتمتهن كرامة الشباب موثوقي الأيدي والأقدام بالدوس عليهم، أمر ربما حصل في عهد العبودية قبل قرون، يوم كانت تجارة الرقيق، سيد الأرض يشتري الفلاحين كما يشتري الدواب كأدوات إنتاج، لذا استنكر العالم بشدة مناظر امتهان كرامة الإنسان .

إذن المشكلة ليست بالحكومة، ولا بقوانين تصدر عن الحكومة أو عن رئيس الجمهورية، بل المشكلة في بنية النظام نفسه الذي بناه الأسد الأب على القبضة الأمنية والدولة البوليسية، لكن الفرق بين عهد الوالد وعهد الابن، أن الرئيس حافظ الأسد كان يحكم بالأجهزة وهم تحت سيطرته، ولا يجرؤ أي منهم مخالفة أوامره، بينما في عهد الأسد الابن هيمنوا على السلطة وأصبحوا الحاكمين الفعليين، وهذا ما يفسر عدم تنفيذ أوامر الرئيس بعدم التعرض للمتظاهرين وحمايتهم، وما حصل بالواقع أن الدماء سالت في شوارع سورية وعلى أيدي قناصة وشبيحة الأجهزة الأمنية. والمؤسف ترويج أكاذيب عن ‘مؤامرة خارجية، وتورط دول عربية، وسلفيين وغيرها من أقاويل’، وهذا بحد ذاته استغباء للسوريين الذين خرجوا من أجل مواطنة كاملة رافضين منطق الرعية والعبودية واستعباد الأجهزة الأمنية لهم، طفح كيلهم فلم يعد هناك مجال للتحمل أكثر من أربعة عقود وباسم ‘لا صوت يعلو فوق صوت المعركة’ فلا غرو أن ينتفض الشعب السوري برمته لأجل حريته. وهنا أتساءل لماذا المظاهرات المليونية التي خرجت للتأييد والمبايعة الأبدية للرئيس بشار لم يصب واحد منهم بخدش؟ ولا نتكلم على طريقة الإجبار لإخراج الناس بالقوة لمظاهرات التأييد، ويحزنني لو صدقت يا سيادة الرئيس خزعبلات تقـــارير أجهزة المخابرات أن هذه الجموع خرجت بإرادتها لتأييدك، فحينها تكون أخطأت مرتين، أخطأت بعدم فهم شعبك، وأخطأت لأنك صدّقت هؤلاء الكذبة من حولك .

الآن سال الدم، ودخلت سورية في دوامة العنف والعنف المضاد، وكلما قتلت قوات الأمن المتظاهرين استفزت الشعب وتدفق للشوارع أكثر، فيجب كسر هذه الحلقة بإجراءات جادة تنقل سورية إلى الديمقراطية والحرية بدون دماء بعد اليوم. وهذه الإجراءات كالتالي، وبداية نثمن قرارات رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة، وحق التظاهر، ولكن في أرض الواقع لم يطبق شيء، حيث لازالت الاعتقالات العشوائية، ومنع المظاهرات، وبالتالي نرى ما اتخذ من قرارات لا يعدو أن يكون دعاية للتسويق الخارجي. ولكي نحقن دماء السوريين ونضمن انتقال سورية سلميا إلى الحرية والديمقراطية كما طالب المتظاهرون مطلوب عاجلا :

1ـ تشكيل حكومة مؤقتة تتكون من الكفاءات الوطنية، لا يتجاوز عددها العشرين عضوا بقيادة الرئيس بشار الأسد، تقود مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر.

2ـ أول مهام الحكومة المؤقتة رفع حالة الطوارئ وكل الأوضاع المتعلقة بها.

3ـ إطلاق سراح كافة المعتقلين خلال الانتفاضة السورية .

4ـ إطلاق سراح كافة معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين في السجون السورية.

5ـ عودة المنفيين والمهجرين لأسباب سياسية من دون قيد أو شرط ومن دون مساءلة.

6ـ تعويض ذوي الشهداء في المظاهرات، واعتبارهم شهداء لهم حقوق شهداء الواجب الوطني .

7ـ حل الأجهزة الأمنية، واختزالها بجهاز خاضع للقانون والمساءلة .

8ـ حل البرلمان والمجالس المحلية باعتبارها مؤسسات نشأت على تزوير إرادة الشعب .

9ـ تشكيل هيئة قانونية من خبراء في القانون الدستوري مستقلين، يقومون بتعديل الدستور، بما يتناسب مع دولة مدنية وحق المواطنة، في أجل 20 يوما. والتعديلات العاجلة، إلغاء ‘المادة 8 من الدستور التي تنص على أن حزب البعث قائد الدولة ولمجتمع ‘، وتحديد عهدة الرئيس بأربع سنوات، وتسقيف عهدات الرئيس بعهدتين فقط غير قابلة للتمديد، ومن شروط المرشح للرئاسة، السن 40 سنة، متزوج من سورية من أبوين سوريين، يحق لكل سوري الترشح للرئاسة بغض النظر عن دينه أو عرقه، ويكون المرشح خاليا من الأمراض، وفي حال مرضه يعلن شغور منصب الرئيس .

تقوم الحكومة المؤقتة في حملة دعائية لشرح التعديلات الدستورية في غضون 21 يوما، ثم يجري استفتاء شعبي على الدستور.

10 ـ وضع قانون للأحزاب وآخر للانتخابات يسمح بتعددية سياسية لكافة القوى السياسية السورية، ويتيح لها خوض الانتخابات والترشح وفق الدستور، وأن يكون المرشح سوري الجنسية فقط لا غير .

11ـ وضع قانون للإعلام كسلطة رابعة، يتيح حرية التعبير وسيولة المعلومة وسهولة الحصول عليها، لأن الإعلام الحر يعني دولة قوية .

12 ـ الحكومة المؤقتة التي يرأسها رئيس الجمهورية تدعو إلى مؤتمر وطني للحوار مع كافة القوى السياسية والاجتماعية، تحدد جدولا للحوار بنقاط محددة، وبمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام منعا للشطط والانشغال بقضايا جانبية. والنقاط المطروحة للنقاش تكون: نوع الحكم هل هو برلماني أم رئاسي؟ ويُفضل أن يكون برلمانيا لتمكين ممثلي الشعب من مساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية، وضع مدونة أخلاقية يلتزم بها الجميع في الممارسة السياسية لتكون بعيدة عن كل دعوة طائفية أو عرقية أو مذهبية، وتحديد الحالات التي يتم فيها خرق هذا الميثاق الشرفي حتى لا يفسر كل واحد يصل السلطة مستقبلا حالات خرق الميثاق حسب هواه، والتداول السلمي على السلطة، ونبذ العنف للوصول إلى السلطة، والفصل بين السلطات الثلاث، التنفيذية، والتشريعية، وقضاء مستقل .

على الحكومة المؤقتة تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية بموجب قانون الانتخابات، تكون حرة ونزيهة تحت رقابة دولية .

رئيس البرلمان هو رئيس السلطة التشريعية يدعو إلى انتخابات رئاسية مسبقة تعددية .

توازيا مع هذه الإجراءات تكون إجراءات مماثلة جارية لمحاربة الفساد، بالتحقيق بثروات كل من لا تتناسب ثروته مع حجم دخله، وهم معروفون، ومحاسبة الذين ارتكبوا جرائم قتل ضد المتظاهرين، وتقديمهم لقضاء مستقل، مع منع خروج أي أموال خارج سورية خلال الفترة الانتقالية ومدتها ستة أشهر .

بهذا تعود سورية إلى مكانتها اللائقة بها بين الأمم، حرة ديمقراطية .

 

‘ كاتبة سورية مقيمة في الجزائر

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى