صفحات مميزةعبد الناصر كحلوس

سوريون الأرض ..الحاضر الغائب في قضيتهم/ عبد الناصر كحلوس

 

 

لم تكن الثورة السورية التي انطلقت من خمس سنوات تقريبا ثورة على نظام الاستبداد والقهر والظلم الذي حكم البلاد لأكثر من خمس وأربعين عاماً فعاث فيها فساداً وإفساداً في كل مناحي حياة السوريين , بل وكانت ثورة على  المفاهيم والقيم التي أحكمت واستحكمت في مجمعنا السوري ورأينا كيف أعادت الروابط المهترئة بين الناس خصوصا ًبين الريف والمدينة التي حاول النظام دائما فصم عراها وبين الطوائف والملل والاثنيات فكانت الجامع لهم في مواجهة عنف السلطة وجبروتها وأيضا كانت ثورة للمرآة السورية التي انقلبت على النظام الذكوري والموروث التقليدوي البالي وأخذت دورها الريادي في الثورة حتى وفي المجتمعات الأكثر تشددا وتمسكا بالعادات .

غير أن الثورة التي  جاءت في سياق ثورات الربيع العربي ورياح التغيير التي بدأت تجتاح العالم العربي بداية 2011 وفق منحى تاريخي لمسار دولة التسلط والاستبداد والقهر وديكتاتورية الفرد بحسب ابن خلدون  .

بدأت بإرادة شعبية خالصة حرة وبثورة سلمية قل نظيرها عبر التاريخ و ما لبثت أن أُدخلت في دهليز التجاذبات الدولية والصراعات الإقليمية وأصبحت سوريا ملعباً دولياً لتصفية الحسابات والخلافات بين الدول ومغناطيساً جاذباً لكل حثالات الأرض وأريد لها أن تكون الدرس الأقسى والأكبر كلفة لمن تسول له نفسه أن يثور على أنظمته بدون إرادة صانعيها ووفق هواهم وعليه تم حصار الثورة وإطالة أمدها واصطناع داعش وتمويلها وتسهيل سيطرتها ثم ورويدا رويدا بدأت الفصائل بالانقسام والتشرذم تبعا لمصادر التمويل وكذلك الأمر بالنسبة للمعارضة السياسية التي أضحت معارضات وبكل يوم يعلن عن تيار جديد وتجمع جديد وملتقى جديد حتى بات كل خمسة سوريين يمثلهم تيار !!! وبات التسويف والمماطلة عنوان القضية السورية عبر دوامة من المؤتمرات ..مؤتمر يتبعه آخر وكل مؤتمر ينسف سابقه ويعيد صناعة العجلة ! و السوريين أصحاب الأرض والمرابطين الصامدين يدفعون ثمن الوقت من دمائهم وأطفالهم وأبنائهم وجوعهم وفقرهم ومرضهم …دونما أي أفق  ومراوغة وقعقعة بلا طحن وبعد ……..

اعتقد جازما أن أس المشكلة ليس في تراخي وتخاذل الدول فحسب بل في العجز عن إنتاج خطاب موحد ينطلق من الأرض ويمثل تطلعات من هم على الأرض وذلك بسبب الذهنية القديمة ونمطية التفكير التقليدي الهرمي الذي يسقط الأفكار والأطروحات من أعلى إلى أسفل والذي ينظر بمنظار طبقي نخبوي على اعتبار العوام هم رعاع وجب التفكير عنهم والبحث عن مصالحهم الجاهلين بها..!! والذي أنتج الكثير من المدّعين تمثيل الشعب والوصاية عنه لكنه لم يقنع الدول صاحب الرأي والممسكة بالخيوط ولم يستطع أن يشكل لوبي حقيقي ضاغط ينال ثقتهم واحترامهم

وهو ما يتناقض مع أي حل مقنع ومرضي وذات ديمومة واستقرار للسوريين الحقيقيين .

وعن الكلام  عن أي طرح أو رؤية لحل يتم  الحديث عن تشاور مع بعض الفصائل وبعض التيارات السياسية ويتم التغاضي عن ابن الأرض الأساسي المتجذر  بها المدافع عنها

يجب التشاور مع المجالس المحلية ومع السوريون في المخيمات وفي المناطق المحتلة والمحاصرة عبر المنظمات العاملة والجمعيات والفرق والتشكيلات المدنية الموجودة على ضعفها وإن استعصى ذلك وهو ليس عصي فلقد قالها السوريون من أول يوم في الثورة ويؤكدوها مراراً وتكراراً  حرية حرية …الشعب يريد إسقاط النظام هذه الشعارات تختزل كل التحليلات والقراءات وتغلق الباب حول التلاعب بالألفاظ واللف والدوران في دهاليز السياسية ..أي الشعب يريد دولة حرة خالية من العصابة الحاكمة بكل رموزها وعلى رأسها المجرم الأكبر بشار الأسد يريد عدالة انتقالية تعطيه راحة وسكينة وفاءاً لدم الشهداء يريد معتقليه وكشف مصير المفقودين يريد البدء بعملية إ عمار للبشر والحجر وإقامة مؤسسات دولة حقيقية ..أما ذاك الحديث الأجوف الأخرق عن مرحلة تمهيدية وجدول زمني !! الحفاظ على مؤسسات الدولة !! انتخابات فهذا يعني استمرار نزيف الدم وعداد الشهداء وترك سوريا للمجهول وإجبار الضحية على تقبيل يد الجلاد والدعوة للحفاظ على أوكار ومنابع إنتاج القتل والتعذيب بمسمى مؤسسة الجيش والأمن وتحويل الثورة  لجنازة تشييع إلى مقبرة

وحدة الهدف لا تعني بالضرورة وحدة الطريق إليه , قاعدة على كل الشرفاء ممن يدعون خوفهم وحبهم وأملهم بسوريتهم أن يفهموه وأن يذللوا أي تفاصيل تافهة تعيق إنتاج رؤية مقنعة وورقة عمل موحدة توقف نزيف الدم والقتل طالما هدفهم واحد سوريا الحرة المستقلة الموحدة

لذلك فمطالب السوريين واضحة جلية والخمس سنوات بينت أن ما يتم تركه وإهماله يأتي من ينجزه بطريقته وعلى هواه

وربما يمكن  لإعلان جنيف 2012 وقرارات مجلس الأمن وخصوصاً القرار2118 أن تشكل أرضية قد تكون مناسبة كورقة تطرح على السوريين في الداخل أولاً وفي الخارج ثانياً للاستفتاء والتعديل وبسرعة

خطوةٌ ربما متأخرة كثيراً لكنها الورقة الأخيرة المنجزة والمتوافق عليها دولياً في ظل صراع دبلوماسي محموم يسعى بعيد أحداث باريس وإسقاط الطائرة الروسية إلى إنضاج الطبخة على دم السوريين وأجسادهم التي لم  تنجز  بموسكو 1 و 2  وبفيينا 1 و2 وقد تنتهي ب رياض 1

ودون ذلك فإن أي تفريط أو تلاعب بحقوق السوريين لن يمر بسلام وسيكون ثمنه كبيراً ليس على السوريين فحسب بل على كل من خان وتخاذل وقصّر فالسوريون الذين قاموا ضد أشرس الأنظمة وحشيةً  وإجراماً عبر التاريخ لن يستكينوا على الظلم من احد ……ولن يساوموا على حقوقهم فشعارهم كان من البداية        الموت ولا المذلة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى