صفحات سوريةفايز ساره

سوريون في دروب صعبة

 

فايز ساره

أظهرت آخر الأرقام المتصلة بعدد السوريين في بلدان الجوار، أن عدد النازحين الى لبنان “لامس” رقم مليون ومئتي ألف نسمة. ويتقارب العدد السابق مع عدد السوريين في الأردن، وهو قريب من عددهم في تركيا، لكن عدد السوريين في العراق وحده هو الأقل. إذ لم يصل عدد السوريين هناك بعد إلى مائة الف نسمة وفقاً لاكثر التقديرات، وبالإجمال، فإن التقديرات، تؤشر الى وجود أكثر من ثلاثة ملايين سوري في دول الجوار، عدد المسجل منهم بصفة لاجئ، لا يزيد إلا قليلاً عن مليون نسمة، فيما الأكثرية خارج سجلات اللجوء، رغم أن كثيراً منهم في مستوى اللاجئين.

طريق السوريين الى دول الجوار، يبدو متقارباً في أسبابه وأهدافه، وإن بدا مختلفاً في ممراته ومساراته. فالسبب الرئيس لخروج السوريين الى بلدان الجوار، هو هروبهم من عمليات القتل والدمار التي تتابعها السلطات السورية وأجهزتها العسكرية الأمنية في مختلف المناطق منذ بداية الثورة في آذار 2011، وبعضٌ ممن غادروا، كان عذرهم الهرب من الملاحقة والمتابعة الأمنية، وآخرون ذهبوا طلباً للعلاج الطبي وخاصة بالنسبة لمن أصيب في خلال الأحداث، وعجزت المؤسسات والهيئات الطبية السورية عن علاجهم بفعل ما صار إليه حالها في ظل الأزمة.

وبخلاف المجموعة السابقة، فإن قسماً من السوريين نزح الى بلدان الجوار بحثاً عن فرص للعمل والاستثمار بعد أن عطلت حرب النظام مسارات الحياة اليومية، وجعلت معظم السوريين غير قادرين على كسب عيشهم من عمل مأجور أو من مشاريع عمل واستثمار، فاضطر بعضهم للتوجه نحو بلدان الجوار ليجد حلاً لمشكلته، خصوصاً أن مئات آلاف السوريين، كانو قد اعتادوا التوجه للعمل في لبنان والأردن طوال عقود ماضية، وبعض السوريين افتتحوا لهم مشاريع عمل واستثمار في الجوار ومنها تركيا في سنوات العقد الماضي، وبدا من الطبيعي، أن تدفع التجارب القديمة والظروف الجديدة مزيداً من السوريين سعياً وراء عمل او فرصة استثمار في بلدان الجوار.

والى جانب الأسباب السابقة لذهاب السوريين الى دول الجوار، فإن ثمة اسباباً أخرى أكثر تداخلاً وتعقيداً، اختلط فيها الأمني والمعاشي وربما الاجتماعي والاقتصادي (بعضه أو كله) ليدفع سوريين لمغادرة بلدهم الى دول الجوار والى ما هو أبعد منها على نحو ما هو عليه نزوح السوريين الى مصر، حيث تشير التقديرات إلى أن أعدادهم هناك قاربت المليون نسمة، موزعين ما بين لاجئين وهم أقلية ومقيمين وهم الأكثرية، وبينهم بعض المستثمرين الذين افتتحوا مشروعات في مصر، قيل إن المعلوم منها تجاوز خمس مائة مليون دولار في قطاع النسيج وحده في العام الماضي.

وتكشف أسباب خروج السوريين الى بلدان الجوار، طبيعة هدفهم من الخروج، اذ هو خوف على حياتهم، وسعي من أجل استمرار الحياة وتأمين احتياجات العيش، بل إن بين أهداف الخروج تلبية احتياجات صحية ومعرفية ومنها علاج إصابات وأمراض، أو توفير وإكمال الدراسة للمراحل المختلفة بعد أن جرى تعطيل أو تخريب معظم المؤسسات التعليمية في سوريا.

إن مسارات النزوح السوري، لم تكن موحدة. بعضها كان سهلاً ميسراً، وكثير من السوريين غادروا بصورة نظامية الى بلدان الجوار ومن دون مشكلات جدية، وغالب هؤلاء من سكان المدن الكبرى. بل يمكن القول، إن السلطات كانت راغبة في هجرة بعض مواطنيها من خلال تسهيلات السفر، وهذا ينسجم مع إعادة توزيع الديمغرافيا السورية، وهي استراتيجية رسمية طبقتها السلطات في عمليات تهجير داخلية عنيفة، كان هدفها وقف التظاهرات الشعبية من جهة وإشغال النشطاء في الحراك الشعبي في عمليات الاغاثة، وتأمين الاحتياجات العامة للمهجرين والنازحين.

والقسم الآخر من السوريين، نزحوا الى بلدان الجوار في ظروف شديدة القسوة ومعظمهم من سكان الأرياف القريبة من حدود تلك دول، أو كانوا مقيمين فيها وبقربها. إذ خرجوا في أعقاب عمليات قصف مناطق سكنهم واجتياحها من قبل الجيش والأمن أو الشبيحة، فخرج سكان تلك المناطق وبخاصة النساء والأطفال والشيوخ متوجهين عبر مسارب غير نظامية ومن دون أوراق رسمية الى أراضي الدول المجاورة، وبعض هؤلاء تجاوز الحدود مشياً ومعهم أقل القليل من الامتعة والاحتياجات الخاصة، وما توفر من المال، ولئن وجد بعض منهم مساعدة من قبل أجهزة أمنية أو إنسانية على الطرف الثاني من الحدود على نحو ما حصل غالباً على الحدود السورية التركية، حيث كان الوافدون يؤخذون الى مخيمات مقبولة الى حدا ما. فإن الأمر كان أصعب على الحدود مع الاردن لأن الوافدين كانوا يؤخذون الى أماكن تجمّع قبل إيداعهم مخيم الزعتري محاطين بعدم توفر شروط الحد الأدنى للحياة الإنسانية فيه، ووسط ضعف القدرات والإمكانات الأردنية في المستويين الرسمي والأهلي.

وبخلاف المسارين التركي والأردني اللذين ذهبا بغالب الوافدين الى مخيمات، وقريباً منهم تجربة النازحين السوريين في شمال العراق، فإن التجربة في لبنان كانت مختلفة، وكذلك هي حال التجربة في مصر. ورغم أن البلدين لم يقيما مخيمات للنازحين السوريين من باب إكرامهم وإعطائهم حرية حركة غير مقيدة وفرصة عيش تتفق وظروفهم وسط تسهيلات إدارية بالدخول والخروج، وهذا ما حصل عليه السوريون في البلدين فأتاح لبعضهم فرص عيش مقبولة طالما كانوا قادرين على توفير تكاليفها، لكن صعوبات الحياة أصابت الآخرين من المقيمين في لبنان. ووسط عجز الدولة اللبنانية عن القيام بأعمال إغاثة ومساعدة أصحاب الحاجة من الوافدين، وبسبب قلة امكانيات منظمات الإغاثة الدولية والمحلية، فقد اقيمت مخيمات خاصة على أراض مأجورة بهدف خفض تكاليف إقامة بعض الوافدين، وجرى إسكان البعض في قرى مجاورة للحدود السورية وخاصة في وادي خالد.

لقد فتحت حركة نزوح السوريين الى دول الجوار بوابة سعي بعضهم الى الهجرة واللجوء الى بلدان خارج المنطقة لا سيما الى الدول الاوربية، التي وإن فتحت أبواباً محدودة لقبول لجوء ودخول سوريين اليها، فان ذلك كان اقل مما يحتاجه الراغبون السوريون بالوصول الى تلك البلدان، الامر الذي فتح بوابة للهجرة غير الشرعية الى تلك البلدان عبر مسارات برية وبحرية يسيطر عليها المهربون لا سيما عبر تركيا، مما ادى الى معاناة شديدة لمن سلك دروب الهجرة غير الشرعية وكانت بينهم عائلات فيها نساء واطفال، انتهى البعض منهم الى الموت في البحر في حوادث مأسوية، وكثير ممن وصلوا الى تلك البلدان، دخلوا في معاناة كسرت طموحاتهم الى أوضاع انسانية افضل.

ولعل الابرز مما أحاط بنزوح السوريين من معطيات نقاط اساسية، ان هذا النزوح رغم ضخامته قوبل باقل قدر من الاهتمام والتفاعل الدوليين سواء في مستوى الدول او في مستوى الهيئات والمؤسسات من الناحيتين السياسية والانسانية، فلم تمارس اية سياسة جدية لوقف عمليات النزوح او الحد منها من خلال علاج اسبابها، كما لم يتقدم المجتمع الدولي بما يكفي من المساعدات، بل قدم القليل وترك الدول المضيفة أمام تحمل اعباء كان غالبها عاجز عن تحملها وخاصة الأردن ولبنان، والأسوأ مما سبق، أنه تم ادخال موضوع نزوح السوريين الى حيثيات السياسة الداخلية في غالب بلدان الجوار وخاصة في لبنان حيث ينقسم اللبنانيون بشكل حاد في الموقف من الوضع السوري، وهو وضع مماثل لما هو عليه الحال وان بقدر اقل في العراق وفي تركيا، وهذان العاملان اضافا ترديات مضافة على اوضاع النازحين في بلدان الجوار.

إن الخلاصة في نزوح السوريين خارج بلادهم، صعوبة دروبها، وقد احاطت بها ظروف جعلتها شديدة القسوة، خصوصاً ان صعوباتها لم تكن صعوبات مادية ومعنوية فقط، بل كانت صعوبات ومعاناة انسانية، لا حدود لها وهي ما زالت مستمرة، لم تستطع الدول التي وصلوها، ولا الهيئات والمنظمات الاغاثية والانسانية المختلفة، ان تعالجها، وان العلاج الوحيد والممكن، يكمن في عودة السوريين الى بلدهم، واعادة انهاض حياتهم وتطبيعها، وهو امر لا يمكن ان يتم مع استمرار نظام القتل والتدمير بالتصرف بحياة السوريين وبقدرات بلدهم.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى